باب

القول في الأصول في أنها معلولة أم غير معلولة

قال بعض مثبتي القياس: الأصول ليست بمعلولة في الأصل إلا بدليل.

وقال بعضهم: هي معلولة بكل وصف منها واجب العمل به إلا بدليل.

وقال الشافعي: على ما دلت عليه مسائله، ولست أحققه مذهبًا له: إن الأصول معلولة، ولكن لا يجب العمل بما جعل علة إلا بدليل يميز بينها وبين غيرها.

وقال علماؤنا كذلك وزادوا فقالوا: لا يجب العمل بها إلا بدليل يدل على كون الأصل شاهدًا للحال.

فأما الأولون فاحتجوا بأن الأصول هي النصوص، والنص حجة يجب العمل بها على موجب اللغة في الأصل، فلا يجب العدول عنه إلى العلل الشرعية التي لا تنبئ عنها اللغة إلا بدليل.

وكان ذلك بمنزلة ترك الحقيقة إلى مجازه بل أبعد، لأن المجاز أحد أنواع اللسان وهذا لا يعرف لسانًا بحال.

ولأن التعليل ببعض الأوصاف بعد ظهور الحكم عقيب الكل تخصيص فلا يثبت إلا بدليل.

ولئن سلمنا أن كل وصف يجوز علة فلا يثبت الترجيح للبعض على البعض إلا بدليل إذ كل وصف، وإن صلح علة احتمل أن لا يكون علة فلا يصير علة مع الاحتمال.

وأما الفريق الثاني فقالوا: إن الدلائل التي جعلت القياس على النص حجة جعلت النص معلولًا في أصله لأنه لا قياس إلا بعلة، وجعلت كل وصف علة لأن القياس لا يتصور بكل الأوصاف، فصار كل وصف علة إلا بمانع، وهذا كما أن دلائل الشرع جعلت الأخبار حجة، وإنما تثبت بالرواة ولا يمكن شرط الكل لأنه يتعذر، فصار كل واحد بروايته حجة إلا بمانع.

فأما الجواب عن قولهم أن في التعليل تركًا لحقيقة النص، فلا كذلك لما مر أن من شرط صحة التعليل بالرأي أن يبقى حكم الأصل فيه، كما كان قبل التعليل معمولًا به في النص بنصه لا بالعلة، ولما صار كل وصف علة بانفراده لم يترجح واحد إلا بدليل، وإنما لم نجعل كل الأوصاف علة لأنها لا تتعدى حينئذ فلا يمكن المقايسة لها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015