قبل التعليل، وأخرجت سائر أوصافه عن تعلق الحكم بها، وكما لم يجز أن يخرج بالتعليل بعض المحال التي تناولها النص عن حكم الجملة لم يجز كذلك في حق الأوصاف.
ولأن هذه العلة لما لم تشرع علة إلا بعد النص صار لغوًا مع النص، وإذا صار لغوًا لم يجز التعليق بها كما إذا عارضها نص آخر مخالف لم يجز اعتبارها حجة معارضة بل سقطت، وتبين لنا أنها ليست بحجة وإنما تظهر حجة في الفرع، ولن يوجد فيه حكم الأصل إلا بالتعدية إليه فصار حكم العلة التعدية لا غير، ونظيره من العقود الحوالة ما لها حكم تعلق وجوب الدين بها بل التحويل عن ذمة إلى ذمة لأنها لا توجب أصل الدين بل تنقل من ذمة إلى ذمة، ولأنا ذكرنا أن العلة اسم لما يتغير به حكم الحال، والذي يتغير من حكم النص بالتعليل بأن كان الحكم مقصورًا عليه فتعدى بالتعليل.
وإذا ثبت هذا علمت بفساد ثلاثة أرباع المقاييس جملة بل حجة لكل فرع على حدة، ولا لكل قياس، وسقط عنك أعباء حفظها وفهمها والعمل بها.
وبيان ذلك أن جملة أقسام ما يختلف فيها الفقهاء ويتناظرون فيها من الشرعيات أربعة أنواع:
الاختلاف في الموجب للحكم أو صفته أهو مشروع أم لا؟
أو في شرط العلة أو صفته؟
أو في حكم من الأحكام أو صفته؟
أو في حكم مشروع معلوم بوصفه بلا منازعة في محل هل هو مقصود عليه أو هو متعدي عنه إلى غيره؟
والقياس لم يشرع حجة إلا لهذا النوع لما ذكرنا أنه لا حكم له غير التعدية، والتعدية لا تتصور إلا في هذا القسم الرابع ففسد فيما عدا هذا القسم لانعدام حكمه، ولأنه لم يصادف محله فمحله أصل فيه حكم مشروع ليمكن التعدية فيما ليس بموجود لا يمكن تعديته كالحوالة حيث لا دين يلغو.
ولأن الاختلاف متى حصل في الموجب للحكم أو شرطه، أو نفس الحكم فقد وقع الاختلاف في أصل الشرع أكان أم لم يكن؟ لأنا أجمعنا أنه ليس إلينا نصب الأحكام الشرعية ولا رفعها بالرأي، ولا نصب أسبابها وفي نصب الأسباب نصب للأحكام، ولا شروطها، ففي نصب الشروط المانعة رفع للأحكام، وإذا لم يكن إلينا ذلك بالرأي بطل تعليل مدعيها لأنه يعلل للنصب، لأن الآخر منكر أن تكون هي مشروعة، وبطل تعليل منكريها لأنهم يقولون هي لم تشرع أصلًا إذا أنكروا الثبوت.