الأصل فيها أن ماليتها دون مالية الأعيان بدرجات لأن المنافع أعراض لا تبقى زمانين والأعيان جواهر تبقى أزمنة، وتفاوت ما بين الجوهر والعرض بحيث لا يخفى.
وكذلك ما يبقى وما لا يبقى إلا أن الشرع سوى بينهما في التجارات لحاجة الناس إلى المنافع حسب حاجتهم إلى الأعيان لإقامة المصالح وتعذر وصول المحتاج إلى المنفعة إلا بمال هو عين وهذه الضرورة غير ثابتة في الإتلافات لأنه منهي عنها، والسبيل أن لا توجد فلم تلتحق في حق الإتلاف بالعين وكذلك جواز بيع المنفعة قبل الوجود، والملك ثابت لضرورة أنها لا تبقى موجودة فلا يمكن بناء البيع على الوجود وهذه الضرورة معدومة في الأعيان، فصار حكمها مخصوصًا بموضع الضرورة.
وأما فصل الحكم المعدول به عن القياس فنحو بقاء الصوم مع الأكل ناسيًا للصوم لأن الصوم عبارة عن الكف عن الأكل والشرب والجماع، فإذا جاء الأجل ذهب الكف عنه فينعدم الأداء والعبادة قط لا تتأدى بلا أداء عقلًا ولا شرعًا كتارك الصلاة والحج والزكاة بعذر أو بغير عذر فصار الحكم أنه مؤدي صومه مع عدم الأداء حكمًا معدولًا به عن القياس.
فلم يجز قياس المكره، والمخطئ عليه وهم أغيار.
ولا قياس الصلاة والحج على الصوم وهن أغيار.
وجوزنا إبقاء الصوم مع الجماع ناسيًا والنص لم يرد فيه لأنه من جنس الأكل من حيث إذهاب الأداء فالصوم تأدية بالكف عن اقتضاء شهوتي بطنه وفرجه في الحقيقة وذهاب الصوم باقتضائهما بطريق فوت الأداء الذي هو ركن العبادة فكانا جنسًا واحدًا.
وإن اختلف الاسمان كالأكل والشرب جنس واحد في حق الإفطار، وإن اختلف الاسمان وحز الرقبة وشق البطن باب واحد في أنهما قتل وإن اختلف الاسمان.
وكذلك خروج دم الاستحاضة لا يكون حدثًا في الوقت لضرورة الدوام وثبت في حق سلس البول لأنه من حيث أنه حدث باب واحد.
فإن قيل: وكذلك الأكل والشرب خطأ وناسيًا جنس واحد في أن الآكل ما قصد الفطر بأكله.
قلنا: ويجب أن يثبت أولًا أن حكم الفطر يسقط من الناسي لأنه لم يقصد الفطر وليس كذلك فالذي أغمي عليه ولم ينو الصوم لا يكون صائمًا، وما قصد ترك الصوم ولما ذكرنا أن إثبات الأداء بلا أداء خلاف الرأي فلا يثبت إلا بالنص والثابت بالنص ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله أطعمك وسقاك" أي هو الذي ألقى النسيان عليك حتى أكلت