وكذلك أبو بكر صلى بالناس ولم يكن نهي عنها لأنه رأى تقديم حق الله تعالى في إقامة الصلاة لوقتها أولى من الانتظار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأخر وقد أمر بالتقدم لأن الحالة دلته على أنه أمر توقير وإكرام لا أمر إلزام فرأى توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب فتأخر.
وكذلك علي أمر بمحو اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن علم أنه لم يؤمر به لغلطه فيما كتب بل تيسيرًا لأمر الصلح فرأى الكف وإظهار الصلابة للكفار عزيمة، وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة.
ولأن الصلح لا يجوز مع الكفرة إلا لنفع عائد إلى الإسلام والأعود أن يكون صاحب الأمر على سبيل الإحسان إليهم والفضل عن شدة في قومه لا عن ضعف في قومه، وذلك المعنى فيما أبداه علي رضي الله عنه وفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك عمر رضي الله عنه رأى ترك الصلاة على المنافق وإظهار العداوة هزيمة والصلاة وإظهار حسن المعاشرة على قصد تأليف القلب رخصة.
وأما حد السكر فإنما أجمعوا عليه استدلالًا بحد القذف، فإن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: يا أمير المؤمنين إنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وإذا افترى لزمه حد الفرية، وحد الفرية ثمانون. فأخذوا بقوله، على أن الإجماع ليس من قبيل القول بالاجتهاد بل يحل الرأي محل النص إذا تأيد بالإجماع، والله أعلم.
وجواب آخر عن كل ما يتصور خلافًا للأمر من حيث أنه لا يوجد له تأويل نحو صنيع موسى صلوات الله عليه حين أخذ بلحية أخيه ورأسه يجره إليه على ما قال الله تعالى: {وأخذ برأس أخيه يجره إليه} وهذا استخفاف ظاهر، وإنه حرام بالمؤمن لا ريب وبالنبي كفر أن موسى أخذ منه نفسه بفرط الحمية لدين الله تعالى، وشدة الغضب في الله تعالى فسقط عنه خطاب الكف عما لا يحل كما سقط بالنوم والإغماء فوقع الفعل هدرًا والحمية محمودة.
وهذا كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ منه نفسه حال ما يوحى إليه حتى كان لا يدرك شيئًا إلا الوحي وكان يتراءى للناظر إليه مغشيًا عليه، وكان لا يسرى عنه إلا بعد إبلاغ الوحي إليه فكان يسقط الخطاب عنه وراء حفظ الوحي في تلك الساعة.
وعلى هذا يجوز تأويل صنيع عمر رضي الله عنه في جر رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعله في سكر حمية الدين.
وكذلك علي رضي الله عنه.
وكذلك أبو بكر رضي الله عنه كأنه سكر في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فغفل عن حد الائتمار فكان معذورًا، وكذلك معاذ أخذته شدة حالة في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اتباعه فغفل عن الأمر الأول كما يغفل الإنسان بالنوم والنسيان فيكون معذورًا ثم نزل