قلنا: إنه بين الأول بتأويله وتبليغه.
وبين الثاني بتبليغه وتأويله.
وإنما رفع بقاء الأول ظاهرًا، وإنه بيان أيضًا لمدة البقاء حقيقة على ما مر وهذا الذي يتصور رفعًا ليس برفع لما ثبت بالنص على ما مر أن البقاء حكم ثبت بلا دليل، فثبت أنه مبين محض لما نزل إلينا.
وإنما رفع ظاهرًا ما لم يثبت بالتنزيل.
والذي يوضحه أنا وإن سلمنا أن البقاء من حكم الكتاب فالبقاء يكون أبدًا، ويكون مؤقتًا، فيكون بيان الوقت بيانًا لأحد وصفيه، فأما قوله: {ما ننسخ من أيه أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: 106] فليس فيه أن الله تعالى يأتي بخير، أو بالمثل بوحي متلو أو غير متلو.
وعندنا لا يجوز إلا بوحي على ما مر.
وقد يكون ما يبينه بوحي غير متلو خيرًا من الأول وأجمع لمصالح الناس، أو أيسر عليهم فعلًا وأكثر أجرًا، وإن لم يكن خيرًا من حيث التلاوة والإعجاز، على أن الخلاف ثابت في نسخ الحكم مع بقاء التلاوة غير منسوخة فيكون ما ثبت بالنسنة مثل الأول أو خيرًا إذ من حيث الحكم لا يفترق المتلو وغير المتلو.
فإن قيل: غير المتلو يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلنا: يضاف إلى رسول الله ظاهرًا وإلى الله حقيقة، كما قال الله تعالى: {أفرءيتم ما تمنون * ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون}.
وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله" فحكم أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم عند التعارض والتباس التاريخ والأولى في مثل ذلك ترتيب الخبر على الكتاب، وتقديم الكتاب.
فأما إذا ظهر تأخر الحديث فلا كذلك على أن هذا الحديث في خبر الواحد وظاهر النص يدل عليه لأنه قال: "إذا روي لكم عني حديث"، وبنفس الرواية لا يقبل الخبر بخلاف الكتاب بل يرد به ما لم يثبت تواتره ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعتموني، ليكون بيانًا أنه محجور عن مثله ويدل عليه أن الله تعالى أمرنا بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أمر ونهى، من غير قيد العرض على كتاب الله تعالى.
فثبت أن العرض فيما يروى عنه من طريق الآحاد بعد موته.
وقد روى ابن عمر عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أباح الله تعالى له من النساء ما يشاء فيكون نسخًا لما في الكتاب، والناسخ ليس فيه.