ومنهم من احتج أن الله تعالى شرع حد الزنا الإمساك بالبيوت، ونسخته سنه الرجم إلا أنه غير صحيح لأن عمر رضي الله عنه أخبر أن آية الرجم كان مما يتلا في القرآن، ولأن الله تعالى شرع الإمساك حدًا إلى غاية وهو أن يجعل الله لهن سبيلًا، وهذه الغاية مجملة لأن السبيل غير معلوم معناه فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنته فقال: "خذوا عني خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام والثيب بالثيب رجم مئة ورجم بالحجارة".
ومنهم من احتج بقوله تعالى: {وإن فاتكم شيء من أزوجكم إلى الكفار} الآية وهذا الحكم منسوخ اليوم ولم يظهر نسخه بالكتاب. إلا أنه يقال ولم يظهر لها سنة ناسخة أيضًا، فإن جاز لكم الحمل على سنة لم تظهر جاز لنا الحمل على كتاب لم يظهر وإن لم يجز الحمل على دليل لم يظهر حمل على استقرار حكم الاستغنام، فإنه في الابتداء لم يكن على ما عليه اليوم وكان لأموال الكفرة ضرب حرمة ابتداء، ولدمائهم، ورد النفقة عليهم احترامًا لما لهم، ثم استبيحت دمائهم وأموالهم من بعد فانتسخ ذلك فثبت أنه لا يوجد في كتاب الله تعالى ما نسخ بالسنة، ولا في السنة ما نسخ بالكتاب إلا من طريق الزيادة على النص بالسنة، أو السنة بالكتاب كما زاد الشافعي على آية الجلد النفي بالسنة.
وزاد تعيين الفاتحة في باب الصلاة على مطلق القراءة التي نص عليها كتاب الله تعالى.
وقد ثبت عندنا أن الزيادة في حكم النسخ.
وعنده الزيادة في حكم البيان.
فاضطررنا بهذا السبب إلى القول بجواز ذلك فتوى فقد صارت المسألة واقعة.
ثم الدليل على الجواز ابتداء قول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} فإذا أنزل الله تعالى نسخ ما في القرآن بحكم آخر بوحي غير متلو في القرآن صار الحكم الثاني مما نزل إلى الناس، ويلزم النبي صلى الله عليه وسلم بيانه للناس بحكم هذه الآية فإنه ألزمه بيان ما نزل إلى الناس من الأحكام وصار قوله: {وأنزلنا إليك الذكر} في معنى إنا أرسلنا إلى الناس، وجعلناك رسولًا بما أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم من الأحكام، ولو كان المراد ما قاله الخصم لكان من حق الكلام لتبين للناس ما أنزل إليك.
وقوله: {ولعلهم يتفكرون} يعني: يتفكرون فيما تبين لهم من الحكم الثاني فيعرفون الحكمة في التبديل فإنا لا نبدل في الأكثر إلا بخير.