قلنا: الذبيح جعل محلًا للذبح لحكمة أن يصير الذبح قربانًا لله تعالى, والأب متقربًا به بذبحه فصار كذلك ثم حسن ذبحه بأن صار محلًا كما يحسن التضحية بالشاة اليوم, ثم النسخ ورد على بقائه محلًا على صيرورته محلًا فكان من قبيل ما ذكرنا, ولما انتسخ المحل لم يبق الذبح حسنًا في غير محله لأنه لم يحسن ابتداء إلا بمحله فلا يبقى إلا معه.
فإن قيل: فما الحكمة في جعله محلًا للذبح سوى إقامة القربة بالذبح فيصير النسخ قبل الإقامة عبثًا بالخلو عن الفائدة.
قلنا: إنه لا يجوز النسخ عندنا إلا بعد التمكن من الفعل فإن اشتعل العبد بالإقامة, وعجز لمانع حتى نسخ أثبت على جهاده وإسلامه للطاعة بقدر الوسع وإن أعرض مع التمكن حتى ذهبت مدة بقائه صار آثمًا, وصار بعد النسخ وبعدما ثبت مدة بقائه كما لو وقت الله تعالى في النص.
وقال: أوجبت هذا الفعل عليك, وجعلته حسنًا يومًا ثم إنه قبح بعده, ولم يفعل العبد إما معذورًا أو غير معذور لم يكن الشرع عبثًا فحكمة الشرع تنتهي إلى وجوب الجزاء, إما بالجنة أو بالنار أو بالعفو والجزاء وجب, قصر أو لم يقصر.
وإن لم يفعل ما أمر. على أن الله تعالى في ذبح الولد ما في نسخ الذبح بل نقله إلى الشاة, وجعله قائمًا مقام الولد فداء عنه محلًا لإقامة ما وجب بإيجاب الذبح المضاف إلى الولد حتى سلم الولد, وصار قربانًا لله تعالى بالشاة والأب متقربًا بذبحها.
وهذا كما جعل الأضحية محلًا لإقامة القربة بالذبح أيام النحر ثم تبطل بمضيها, ولا تتأدى القربة إلا بالصدقة بعدها ولا يصير الجعل عبثًا.
فكذلك الرمي في الحج لا يقضي بعد أيامها ولم يصر عبثًا.
وكذلك إقامة الجلد على الزاني فرض حسن, وإذا مرض مرضًا شديدًا يخاف عليه التلف إن ضرب فيه قبح لتغير صفة المحل لأنه حسن ابتداء لأنه يحتمله فإنه حد زاجر لا متلف, فإذا صار بحيث لا يحتمله قبح.
فإن قيل: كيف يستقيم تصوير هذا في وقت الصوم فإنه متى جعلنا السبب رمضان بعينه لم يتصور وجوده بعد مضيه, وإن جعلنا السبب كل شهر هو رمضان كان الكل سببًا بالنص؟
قلنا: أن الله تعالى لم يذكر كل رمضان, فإنه لم يقل: كلما شهدتم رمضان فصوموه, بل قال: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهذا لا يتناول إلا واحدًا من سنته, كمن شهد منكم رجبًا فليتصدق يدرهم من ماله, لم يملك إلا مرة واحدة برجب تلك السنة.