التي {لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرًا}.
والدليل على الجواز نسخ التلاوة دون الحكم, أو الحكم دون التلاوة أن حد الزنا كان هو الحبس والإيذاء باللسان بنص الكتاب ثم نسخا بالجلد والرجم, والتلاوة باقية غير منسوخة, وهذا لأن للتلاوة أحكامًا أخر غير ما يثبت به من حكم عرف لغة نحو تعلق جواز الصلاة بها وثبوت الإعجاز على أن بقاء الحكم لو لم ينسخ ما كان يضاف إلى النص فإن الأمر بفعل مطلق لا يوجب إلا ثبوت ذلك الفعل المأمور به.
وأما بقاؤه كذلك ثابتًا فلا يضاف إليه على ما بينا في الباب الأول, بل ما ثبت يبقى كذلك بلا دليل حتى يقوم دليل الزوال.
وإذا لم يضف إليه لم يتبدل حكم النص في نفسه بانتساخ الحكم كالبيع يوجب الملك لا دوامه فإن فسخ المشتري ملكه ببيع أو إعتاق لم يتدل به حكم البيع الأول فيما أوجب له من الملك, وإنما يتبدل ما لم يجب به, وإنما يحتج بالآيات للأحكام لبيان ثبوتها بها ابتداء لا لبقائها فينا اليوم.
وأما نسخ التلاوة دون الحكم فجائز لما ذكرنا أن التلاوة حكم زائد غير العمل بموجب النص, وذلك لن الأحكام مرة تثبت بوحي متلو كالقرآن, ومرة بوحي غير متلو مما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا قرآنًا, فكان وجوب التلاوة للقرآن حكمًا زائدًا مخصوصًا به للتشريف والإظهار من حيث أنه معجز تم البقاء كما ثبت بحكم لا دليل على زواله, فإذا قامت الدلالة زالت وتبين بها مدة البقاء محتملة للثبوت, ولضده. وكذلك التلاوة كانت سببًا لجواز الصلاة فيبقى كذلك سببًا حتى يقوم دليل الزوال.
قال علماؤنا: إن صيام كفارة اليمين متتابعة لأن في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه {فصيام ثلاثة أيام متتابعين} فمتتابعات نسخت تلاوتها وبقي حكمها وهذا صحيح. لأن التلاوة متى نسخت بقيت وحيًا غير متلو. فالحكم مما يجب به وقد مر أن نفس التلاوة حكم مقصود, يجوز ثبوتها بنفسها, وانتساخها كذلك.
فإن قيل: وبم يعرف الانتساخ للتلاوة فيما ذكرت؟
قلنا: لأن عبد الله كان يرويها وهو عدل, فلا يبقى لتصديقه وجه سوى أنها كانت ثابتة, غير أن الله تعالى لما نسخها دون حكمها, رفع ذكرها عن القلوب إلا عن قلب عبد الله, ليبقى الحكم بقراءته. ولا تثبت التلاوة بروايته.
وأما الزيادة على النص فقال الخصم: إنها بيان لآن النسخ تبديل على ما مر, وفي الزيادة تقرير لما كان ثابتًا , وضم آخر إليه. نحو آية الزنا أثبتت الجلد مئة والسنة أثبتت النفي معه حدًا, وآية كفارة اليمين رقبة مطلقًا, والآية المقيدة أثبتت زيادة الإيمان عليه.