إجماع هذه الأمة حجة موجبة للعلم شرعاً، كرامة لهذا الدين، لدلالة أن المجوس اجتمعت على أشياء كانت باطلة، وكذلك النصارى واليهود وسائر الكفرة، وهم أكثر منا عدداً.
ولأن الإجماع جائز من الخلق اتباعاً للآباء من غير حجة بطباعهم كما فعلت الكفرة، فلا يصير عينه حجة فثبت أن إجماعنا جعل حجة شرعاً وذلك بقوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}.
أخبر أنه يخرج المؤمنين من ظلمات الكفر والباطل إلى نور الإيمان والحق، ولو جاز إجماعهم على الباطل لكانوا في ظلمة فكيف يكون خلاف ما أخبر الله تعالى وأنه لا يجوز.
وقال الله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور}.
وقال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وكلمة خير بمعنى أفعل فيدل على نهاية الخيرية ونفس الخيرية في كينونة العبد مع الحق، والنهاية في كينونته مع الحق على الحقيقة، فدل صفة الخير وهو بمعنى أفعل على أنهم مصيبون لا محالة الحق الذي هو حق عند الله تعالى إذا أجمعوا على شيء، وإن ذلك الحق لا يعدوهم إذا اختلفوا.
وكذلك قال الله تعالى: {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} والمعروف والمنكر على الإطلاق ما كان معروفاً ومنكراً عند الله.
فأما الذي يؤدي إليه رأي المجتهد من غير إصابة ما عند الله تعالى فمعروف ومنكر في حقه ورأيه لا أن يكون معروفاً ومنكراً مطلقاً، فكان هذا بياناً لصدر الآية في أن كانوا خير أمة بهذا السبب وهو إصابة المعروف المطلق.
فإن قيل: معنى قوله "تأمرون" أي: يأمر كل واحد منكم كقولك: لبس القوم ثيابهم، وقول كل واحد ليس بحجة.
قلنا: نعم، فيجب إذا أمر كل واحد منهم بمعروف أن يكون المعروف المطلق في جملة ما أمروا.
وقال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} والوسط في اللغة: من يرتضى قوله.
وقال الله تعالى: {قال أوسطهم ألم أقل لكم} أي أرضاهم قولاً، ومطلق