باب

القول في البيان

البيان في اللغة: عبارة عن الظهور, يقال: بان لي معنى هذا الكلام أي: ظهر بيانًا, وبانت المرأة عن زوجها بينونة أي: حرمت, وبان الحبيب بينًا أي: بعد وكلها ترجع إلى معنى واحد وهو: الامتياز, ولكن على أنحاء مختلفة ففرق بين أنواعها بالمصادر.

وأكثر ما يستعمل البيان في باب اللسان, وأنه على أربعة أوجه:

بيان تقرير, وبيان تفسير, وبيان تغيير, وبيان تبديل.

فأما بيان التقرير: فنحو قول الله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} فقوله تعالى كلهم قرر معنى العموم من الملائكة حتى صار لا يحتمل الخصوص.

وأما بيان التفسير: فنحو بيان المجمل والمشترك والمشكل وما لا يمكن العمل به إلا بدليل, فذلك الدليل بيان تفسير فإنه عبارة عن الكشف, وبه انكشف المعنى لأنه كان معقولاً فتقرر به.

وأما بيان التغيير: فنحو الاستثناء {فلبث فيهم ألف سنه إلا خمسين عاما} لأن قوله إلا خمسين ليس بتفسير للألف بل رد لبعضه فمن حيث قرر البقية كان بيانًا ومن حيث رفع بعضه كان تغييرًا.

وأما بيان التدليل: فكالتعليق بشرط نحو قوله الله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} لأن لا جناح لإزالة الحرج للحال, ولما علق بشرط, تبدل أصله فلم يوجب إزالة حتى يوجد شرطه.

فبيان التقرير والتفسير: بيان محض ما فيه تغيير, ولا تبديل بوجه فيصبح مقارنًا وطارئًا.

فإن قيل: كيف صح تأخير بيان المجمل, ولا يمكن العمل به قبل البيان فيكون تكليف ما ليس في الوسع؟

قلنا: قبل البيان لا يلزمنا العمل بل يلزمنا أن نعتقد أن الله تعالى أراد به حقًا فيكون ابتلاء بمجرد الاعتقاد, وأنه صحيح فإنه أعظم من الابتلاء بالفعل ألا ترى أن من النصوص ما هو متشابه أيسنا عن بيانه, وقد صح وروده لإيجاب اعتقاد الحقيقة في الجملة, قال علماؤنا فيمن اقر أن لفلان عليه شيئًا: إن البيان متصلًا منفصلًا لأنه تكلم بكلام مجمل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015