وكذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول وروي بنكاح جديد ورجحوا هذا الخبر فلما اختلف عمل علمائنا في هذا الباب علم أنهم رجحوا بوجه آخر غير الإثبات.
والوجه الصحيح في ذلك أنا نستفسر النافي للحادث فإن أخبر عن سبب علمه بالنفي على وجهه صار هو والمثبت سواء.
وإن قال: لم أعلم بما يزيله كان المثبت أولى، لأنه إذا أخبر عن دليل النفي ساوى المثبت في العلم بما أخبر على ما بيناه في مسألة طهارة الماء ونجاسته فإذا لم يخبر عن دليله، ولكن قال لم أعلم بما يزيله فقد أخبر أنه بقي على ما كان يجهله عما يزيله لا بعمله حجة تنفي الثبوت للحال، فلم يصر خبره عن جهل حجة في مقابلة الخبر عن علم، وإنما لا يكون هذا حجة بعذره في التمسك بما كان علم على ما نشرحه في باب استصحاب الحال، ولأن السامع يساويه في ضرب هذا العلم لأن علم بثبوت الأول ولم يعلم بزواله مثل الذي أخبره به.
فلو كان هذا الخبر حجة دافعة لخبر المثبت لصار علمه بنفسه دافعًا، وكانت الأخبار أكثرها تبطل بهذا الطريق لأن أكثر الشرائع مما تبدلت، والتي كانت ثبتت يقينًا قبل التبدل فكان ثبوتها من قبل يعارض ما يرفعها فلا يثبت الرفع، وإلى هذا التفسير أشار محمد بن الحسن رحمه الله.
وعلى هذا رجح علماؤنا خبر حرية زوج بريرة ونكاح جديد لزينب لأن الذي نفى الحالة الأولى لم يبلغنا منه ما نعلم به سبب شهادته بالحالة الأولى، فقبل التفسير الشهادة بالحادث أولى وبلغهم في خبر نكاح ميمونة بسبب شهادة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنه نقل القصة على وجهها فتساويا في حق المشهود به، ثم ترجح عبد الله لإتقانه.
ومن أهل النظر من تخلص عن المعارضة بزيادة عدد الراوي وقال: إن خبر الاثنين أولى من خبر الواحد كما قاله محمد بن الحسن رحمه الله في باب طهارة الماء ونجاسته لأن في الصحابة من لم يقبل خبر الواحد حتى شهد معه آخر، ولأن القلب أميل إلى خبر الاثنين.
وتخلص أيضًا بحرية الراوي لأن الحرية تجعل خبره حجة في باب الشهادات فيوجب ترجيحًا كزيادة العدد وكما رجح محمد بن الحسن في باب خبر نجاسة الماء وطهارته.
قال القاضي رضي الله عنه: والذي ثبت عندي من مذاهب علمائنا أنه لا مخلص بهذا لأن خبر الواحد لما ثبت حجة لم يترجح بزيادة العدد من جنسه كما لا تترجح الشهادة بزيادة الشهود، وإن كان القلب إلى شهادة العشرة أميل وكما لا يترجح بالأربعة،