كتاب الله تعالى: ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف على الأحرف السبعة المشهورة نقلاً متواتراً، لأن ما دون المتواتر من الأخبار لا يبلغ مرتبة العيان على ما يأتيك البيان، فلا يوجب الإيقان، وكتاب الله تعالى ما علم يقيناً، وأوجب علم اليقين إلا لأنه أصل الدين وبه ثبتت الرسالة وقامت الحجة على بطلان الضلالة.
فإن قيل: كون كتاب الله تعالى معجزاً دليل على أنه من الله تعالى من غير نقل متواتر.
قلنا: إن كل آية منه ليست بمعجزة، وهي حجة قطعاً فلا تثبت إلا بعد السماع من الرسول صلى الله عليه وسلم. أو نقل عنه بالتواتر.
على أن كونه معجزاً آية على صدق صاحبه في دعواه، وليست بآية على أنه كلام الله، فإنه كان جائزاً أن يقدر الله تعالى رسوله على كلام يعجز عنه الأنام فيكون آية على صدق رسالته، كما أقدر عيسى عليه السلام على إحياء الموتى، ولهذا قالت الأئمة فيمن قرأ في صلاته بكلمات تفرد بها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن صلاته لا تجوز، كما لو قرأ خبراً من أخبار الرسول.
فإن قيل: فإذا الدليل على القرآن النقل المتواتر لا دفات المصاحف؟
قلنا: إن الصحابة رضي الله عنهم ما أثبتوا القرآن في المصاحف بعد حفظ القلوب إلا ليصونوه بها عن الزيادة والنقصان، حتى كرهوا التعاشير وكتابة رأس السورة وأمروا بالتجريد فأثبتوا فيها ما تواتر إليهم نقله وأطبق عليه أهله وشهدت به نسخة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظمه.
فإن قيل: إن التسمية نقلت إلينا مكتوبة بقلم الوحي بين دفات المصاحف لمبدأ كل سورة ثم لم يعدوها آية منها.
قلنا: إن أصحابنا قالوا في المصلي؛ ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يفتتح القراءة ويخفي بسم الله الرحمن الرحيم. ففصلوها عن الثناء، ووصلوها بقراءة القرآن فدل هذا الإطلاق على أنها من القرآن عندهم، لكنهم قالوا: ويخفي. كما قالوا بإخفاء القراءة في الأخريين ليعلم أنها ليست بآية من الفاتحة وإنما قرئت تبركاً بها لا أداءً لفرض القراءة، فإن الفاتحة عينت لذلك شرعاً.
وقد روي عن محمد بن الحسن أن التسمية آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور