السخن أو نتوضأ من دهن ندهن به؟ فرده بالقياس، ولم يشتغل بالسنة ولو كان لا يجوز الرد بالقياس لما احتج به أو كانت عنده سنة لما سكت عن أقوى الدليلين أو لكان يتفحص عن التاريخ ليعمل بالآخر منهما، ولأن السنة المروية بخلاف هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بكتف مؤربة فأكلها وصلى، ولم يتوضأ وأنه يوجب تخصيصه في حق اللحم لا رده.
فإن قيل: وقد قال له أبو هريرة: إذا رويت لك الحديث فلا تضرب له الأمثال!
قلنا: نعم، ولكن أبو هريرة رضي الله عنه وإن جل قدره فلا يعارض مع ابن عباس في الفقه والعلم، فقد ظهر آثار ابن عباس ظهوراً ما يخفى على أحد وما لأبي هريرة إلا الرواية، وكان عمر يستشيره في أكثر الحوادث وكان يقدمه على كبار من الصحابة رضي الله عنهم، وكان يقول: غص يا غواص، ويقول: شنشنة أعرفها من أخزم، وهو مثل تمثلت به العرب لتشبيه الولد بوالده، وكان يريد به مدحه على رأيه.
فقد قيل: لم يكن لقريش رأي مثل رأي ابن العباس رضي الله عنه ألا ترى أن السلف الصالحين عملوا برد ابن عباس دون رواية أبي هريرة فصار إجماعاً.
وكذلك روى أبو هريرة أن ولد الزنا شر الثلاثة، فردت عائشة رضي الله عنها بقول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وإنها عامة تقبل التخصيص. وقال عامر الشعبي: لو كان شر الثلاثة لما انتظرنا بالحامل عن زنا إلى أن تلد، فرده بالقياس.
وقال إبراهيم النخعي: كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة ويدعون.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت، وأشارت إلى أبي هريرة: ألا تعجب من هذا وكثرت حديثه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثاً لو عده عاد لأحصاه.
فثبت أن العدل ممن ترد روايته بالقياس إذا لم يكن ذا فقه، فإن أبا هريرة ما كان يشكل على أحد عدالته وكثرة صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زر غباً تزدد حباً" وكذلك حفظه فإنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعا له بالحفظ" ومع ذلك رد حديثه بالقياس، لأنه لم يكن من أهل الاجتهاد، ووجه ذلك أنهم كانوا يستجيزون نقل الخبر بالمعنى على ما نذكر.
ولما ظهر ذلك منهم احتمل كل حديث أن يكون نصه لفظ الراوي نقلاً لما فقه من المعنى.
فإذا لم يكن فقيهاً صار متهماً بالغلط لما خالف معنى لفظه القياس الصحيح فالتحق برواية الصبي والمغفل فرد.