على أن خبر الواحد قد يقع في باب الدين وفي غيره كرجل يقول هذا الماء طاهر أو نجس، وهذه هدية فلان بعثها إليك، وأنا وكيل فلان بالتصرف في ماله، والخلاف ثابت في الكل فإن سلموا هذه الوجوه، ولا بد منها لتقوم به مصالحهم إن حقائق الأملاك لا تعرف بأسباب الملك فلعل الذي باعك غاصب، كان الباقي قياساً عليه.
لأنك متى صدقته، وعملت به اعتقدت الحل.
ومت كذبته اعتقدت الحرمة.
واعتقاد الحل والحرمة دين وليس من حقوق الناس في شيء.
فإن قيل الكلام في الأحكام الشرعية فإنها تثبت إلا من جهة الرسول، ولم يجز نصبها بعده، وكان معصوماً عن الكذب فلم تقع الضرورة إلى معرفتها بما لا يوجب العلم، فأما ما نحن نضطر إليه مما يحدث كل يوم وكل ساعة، ولا يمكننا البناء على اليقين فجائز العمل بما لا يوجب العلم يقيناً دفعاً للضرورة.
قلنا: إن الكلام فيما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام، وحدث لنا من العلم بها وذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كحدوث حوائجنا إلى مصالحنا، وطريق اليقين إلى الكل مسدود كما في المعاملات التي تكون منا لأنه لا طريق إليها يقيناً إلا الآيات المحكمة من كتاب الله تعالى وقلما يوجد ذلك، بل أكثرها مؤولة، وعمومات لحقها الخصوص وبقيت غير موجبة يقيناً.
وكيف تكون يقيناً وللناس اختلاف في بعض السراق بعينه أيقطع ام لا؟ وكذلك الزاني، فلا يضلل بعضهم بعضاً، على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالشاهد وباليمين في عصره وكان يقول: "إنما انا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فكأنما أقطع له قطعة من النار" فأخبر أنه يقضي بالظاهر كسائر البشر.
فتبين ان الله تعالى شرع لنا وعلينا العمل بما يوجب علم اليقين، وما لا يوجب اليقين توسعة ونفياً للحرج، وغنما يختص باليقين ما يرجع إلى الاعتقاد بلا عمل يلزمنا من معرفة الله تعالى وصفاته وأحكام الآخرة، ومعرفة النبوة، وما هو من أصل الدين الذي بدونه ينهار ركن منه.
ووجه آخر أن الأخبار المروية في الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بخبر الواحد وكذلك الصحابة، وظاهر مثل الشمس عمل الصحابة بأخبار الآحاد.
وكذلك السلف وقد أوردها محمد بن الحسن.