تقول العرب: يا عاقد اذكر حلاً.
ثم استعير للألفاظ إذا عقد بعضها ببعض لإيجاب حكم.
ثم استعير للقبل إذا عقد عزمه لأمر ما فصار عقد اللفظ أقرب غلى الحقيقة بدرجة.
ولأنا متى حملنا على عقد اللفظ بالإضافة إلى خبر يحتمل الصدق لينعقد لإيجابه كان الانعقاد صفة لليمين نفسها.
ومتى حمل على القصد لم يصر صفة لليمين نفسها، لأن اليمين لا تكون بالقصد حتى يتكلم بها وإنما القصد سبب خروج الحلف فتصير اليمين معقودة بسببه لا بنفسه، ألا ترى ان ضد العقد الحل، فما ينعدم بالحل يكون عقداً حقيقة.
على ما نفسره نحن ينعدم بالحل فإن اليمين تنحل بالحنث فتنعدم، وضد العقد الذي هو قصد القلب السهو لا الحل فلما لم ينعدم العقد بشرط الحنث الذي هو حل، علم أنه حين وجد لم يكن عقداً حقيقة بل كان مجازاً، وكان غيره حقيقة.
ومن ذلك اختلاف الناس في القرء؟
قال بعضهم: حيض.
وقال بعضهم: إطهار.
فالقول بالحيض أقرب إلى الحقيقة لأن القرء: اسم معنوي للحيض أو الطهر بلا اختلاف فلئن أخذ الاسم لهما من معنى الاجتماع كما في قول الله تعالى: {فإذا قرأناه} أي جمعناه، ويقول الشاعر:
هجان اللون لم تقرأ جنيناً
أي لم تجمع إلى رحمها ولد فالحيض أولى بهذا المعنى من الطهر لأن الحيض: اسم لدم مجتمع في نفسه، فإن نفس الدم لا يكون حيضاً حتى يدوم مدة وإن اختلف الناس في تلك المدة.
وأما الطهر فليس بشيء مجتمع ولكنه حال لاجتماع دم الحيض بأن كان يجتمع وقت الطهر ثم يدر.
ولئن أخذ هذا الاسم من الوقت المعتاد كما يقول الشاعر:
إذا هبت لقارئها الرياح
أي لوقتها المعلوم، ويقول آخر:
يا رب ذي ضغن وضب فارض .... له قروء كقروء الحائض