وكل ما لا ينهض لإفادة حكم إلا بما يوجد معه لم يسم بنفسه علة ولا محلاً ولا شرطاً.

وكان كقوله: "لا تنكح الثيبة حتى تستأمر" فإنه نص واحد أوجب حرمة إلى غاية، وهي حرمة نكاح امرأة تزول باستئمارها فلا يدخل تحته إلا امرأة صالحة للاستئمار، وأما من لا تصلح إلا بوصف آخر لم يوجد بعد وهو البلوغ أو العقل فلا تكون صالحة قبل ذلك على ما مر فلا يكون محلاً لهذا الحكم المؤقت بالاستئمار، إلا أن يحمل حتى تستأمر على البلوغ فيصير مجازاً.

وكذلك قوله: إلا كيلاً بكيل حتى يصير كيلاً بكيل فيكون مجازاً.

وكذلك إذا قال: لفلان علي ألف درهم، إلا ثوباً. لم يتعرض لما وجب بالجملة لأنه استثناء مقطوع فلا يكون بياناً في حق ما دخل تحت الأول بل يكون معمولاً به بنفسه على حدة، فإن أوجب العمل به معارضة الأول في حكمه تعرض بحكم المعارضة على ما مر وإلا سقط حكم البيان من كل وجه.

وههنا إذا جعل مقطوعاً وجعل كأنه قال: لكن لا ثوب له علي لم يصر متعرضاً نفي الثوب حكم الوجوب الثابت بالإقرار فبقي هذا منفياً بنصه.

والأول ثابتاً بنصه ولو أوجب دفعه لم يقدر لأنه يكون بمنزلة الرجوع بعد الإقرار.

ولهذا قال محمد رحمه الله- في قوله: لفلان علي ألف درهم إلا كر حنطة-: إنه لا ينقص من الألف شيء، إلا أن أبا حنيفة رضي الله عنه يقول: إلا كر حنطة إن لم يكن من جنس الألف تسمية فهو من جنسها في حكم الوجوب في الذمة لأن المكيلات تجب في الذمة مطلقة بكل سبب كالأثمان، والثابت بالإقرار ألف درهم واجب في الذمة فتعرض الاستثناء للوجوب إن لم يتعرض عن الدراهم فصار بياناً إن قدر المستثنى غير واجب من الألف.

فأما الثوب فليس من جنس الدراهم تسمية ولا وجوباً لأن الثوب لا يجب في الذمة مطلقاً بكل سبب لا يثبت إلا سلماً أو ثمناً مؤجلاً، فأما استهلاكاً واستقراضاً وثمناً حالاً فلا.

فإذا لم يكن من جنس الدراهم اسماً ولا حكماً لم يصر بياناً في حق الحكم، ولا الاسم، فبقي كلاماً مبتدأ وأوجب نفياً مبتدأ.

وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة ومحمد فيمن حلف: لا يكلم فلاناً إلا أن يأذن له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015