للكذب والصدق فأبطله لضعف فيه لا لأن النص منع القياس عليه كما لا يكون خبر الفاسق حجة لا لأن النص الذي يرويه الفاسق يمنعه من كونه صحيحا في ذلك بل لضعف في سنده، فيصير هذا القول خارجا عن حدود الإجماع.
ومنها ما قال الشافعي- رحمه الله- فيما يحكي عنه أصحابه: أن تنصيص الشرع على وصف من جملة أوصاف المسمى باسمه يفهمنا نفي ذلك الحكم عند عدم ذلك الوصف ويجري مجرى النص عليه نفياً كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "في خمس من الإبل السائمة شاة" فلا تجب الزكاة إذا لم تكن سائمة، كأنه قال: ولا زكاة إذا لم تكن سائمة، قال ألا ترى أنا خصصنا به عموم قوله: "في خمس من الإبل شاة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "أدوا صدقة الفطر عن كل حر وعبد من المسلمين" فأوجب بمفهومه نفي الصدقة عن الكفار فأوجب تخصيص عموم الأمر بالأداء عن كل حر وعبد تقييده بالإسلام.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن ربح ما لم يضمن" فدل بمفهومه على طيبة ربح ما قد ضمن، قال: لأن تخصيص صاحب الشرع وصفاً من أوصاف المسمى باسمه يوجب تعلق الحكم بذلك الوصف نصاً بدليل أنه لولا الوصف لثبت الحكم قبله والآن تعلق ثبوته مع وجود الاسم العام الموجب لولا ذكر الوصف بوجود الوصف، وهو كقول الرجل لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار فالدخول شرط لأن الطلاق كان يجب بقوله: أنت طالق لولا الدخول فلما تعلق بالدخول كان شرطاً، وإذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار وأنت راكبة، كان الركوب شرطاً، والطلاق يتعلق بالركوب كما يتعلق بالدخول، ولما جرى مجرى الشرط وجد الحكم عند وجوده بمنظومه وعدم عند فقده بمفهومه، بخلاف اسم العلم فإنه يذكر للتعريف لا لتعليق الحكم به.
فأما الوصف فهو اسم الحال والنعت المعنوي فدل على تعلق الحكم به، ولأن الاسم لابتداء الإيجاب كالعلة والوصف بعده لتعليق حكم الاسم بالوصف حكماً فكان شرطاً والفرق بينهما ما نذكره في فصل الشرط.
وأبى علماؤنا- رحمهم الله- هذا فإن أبلغ ما في الباب أن يصير الوصف المعنوي المؤثر في إيجاب الحكم بمنزلة ذكر العلة.
ولا خلاف بين العلماء أن العلة توجد الحكم عند وجودها ولا يعدم عند عدمها بل الحكم يبقى عند العدم على ما كان قبل معرفة العلة، وإنما يصير الوصف شرطاً إذا عطف على شرط كما في مسألة الطلاق فإن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه.