وقال علماؤنا بأن النص الموجب لتحريم الخمر لا يتناول سائر المسكرات، لأن الاسم للنيء من ماء العنب إذا غلا واشتد حقيقة ولغيره مجازاً لاتصال بينهما لمعنى مخامرة العقل فلا يدخلان جميعاً تحته.

وقالوا فيمن حلف لا يأكل من هذه النخلة فأكل من ثمرها، حنث، وهو مجاز لأن النخلة سبب للثمرة، ولو أكل من عينها لم يحنث لأنه حقيقة.

وقالوا: لو حلف لا يأكل من هذه الشاة فأكل من لحمها حنث، وهو حقيقة ولا يحنث بشرب لبنها مجازاً.

فإن قيل: لو حلف لا يضع قدمه في دار فلان فدخل ماشياً حنث، وهو حقيقة ويحنث إذا دخلها راكباً وهو مجاز.

قلنا: وضع القدم بعرف اللسان في مثل هذا صار عبارة عن الدخول لأنه سببه فصار كأنه حلف لا يدخل دار فلان فيحنث دخل راكباً أو ماشياً بمطلق الدخول الذي هو مجازه، لا بمجاز وضع القدم.

وحقيقته ونظيره رجل قال: عبده حر يوم يقدم فلان، فقدم ليلاً أو نهاراً أعتق عبده لأنه صار مجازاً عن الوقت، ثم الوقت يدخل تحته الليل والنهار.

فإن قيل، قد قال أبو يوسف ومحمد– رحمهم الله– في رجل حلف لا يأكل من هذه الحنطة فأكل من عينها: حنث، وهو حقيقة ويحنث إذا أكل من خبزها مجازاً.

وكذلك لو حلف لا يشرب من الفرات فشرب منه كرعاً حنث، وهو حقيقة ويحنث إذا شرب منه اغترافاً مجازاً.

قلنا: إنهما يقولان لا أشرب من الفرات عبارة عن ماء الفرات مجازاً، واسم ماء الفرات لا ينقطع بالاغتراف أو الإحراز في آنية لأنها في الظرفية ليست كالفرات فلا تنقطع النسبة الأولى بها، فحنث في البابين لعموم ماء الفرات الذي هو مجاز حتى إذا أخذ الماء من نهر آخر يأخذ من الفرات لم يحنث لانقطاع الإضافة إلى الفرات بالنهر الآخر.

وكذلك أكل الحنطة بعرف اللسان صار عبارة عما فيه حتى قيل، فلان يأكل الحنطة وإن كان يأكل من خبزها، فصار بمنزلة ما لو حلف لا يأكل ما في الحنطة فحنث أكل عينها أو خبزها لعموم المجاز لأنه أكل ما فيها حال ما أكل عينها. وأبو حنبفة- رضي الله عنه- اعتبر الظاهر فوجد أحدهما حقيقة والآخر مجازاً فلم يجمع بينهما.

وهما اعتبرا الباطن فوجدا مجازه يعم النوعين فجمعا بينهما العموم بعموم المجاز لا أنهما جمعا بين الحقيقة والمجاز، كمن حلف لا يدخل دار فلان فدخل دار فلان بملك أو عارية حنث، فالملك حقيقة والعارية مجاز لأن المراد به عرفاً الإضافة بملك السكنى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015