اقتضاء كقوله: ما رأيت رجلاً، وكقول الله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحداً} إلا أنا ذكرنا أن الصيغة تناولت واحداً من الجملة غير عين، فإذا كانت في النفي لم تتصور نفي ما أخبر إلا بنفي الكل فإنه إذا قال: ما رأيت أحداً، وكان رأى رجلاً وهو واحد من الجنس كان كاذباً ألا ترى أنه تستقيم العبارة عنه: رأيت رجلاً، وهذا لما ذكرنا أن المنصوص عليه نفي فعل أو إثبات فعل، وما يقع عليه الفعل محل الفعل، والنكرة يتناول أدنى ما ينطلق عليه الاسم من جنسه، فلا يتصور نفي الأدنى إلا بعد نفي الكل فيعم النفي اقتضاء لا نصاً، فأما النص في البابين فما يتناول إلا الأدنى.

أي

وأما كلمة "أي" فبمنزلة النكرة عندنا لأنها تصحب النكرة لفظاً ومعنى لاستحضارها فيقول: أي رجل فعل هذا، وأي دار تريدها، قال الله تعالى: {أيكم يأتيني بعرشها} أي رجل منكم وهي نكرة معنى لأن المراد بها واحد منهم.

وقال علماؤنا رحمهم الله؛ في رجل قال لآخر: أي عبيدي ضربته فهو حر، فضربهم جميعاً: لم يعتق إلا واحد وهو الأول.

فإن قيل: لو قال: أي عبيدي ضربك فهو حر، فضربوه، عتقوا جميعاً، وقال الله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} وقد تناول الكل!

قلنا: لأنه وصف النكرة بالضرب فميز للوصف جنس الضاربين عن غيرهم كما إذا وصف النكرة بصفة عامة كقولنا: لا أكلم الناس إلا رجلاً كوفياً فإنه يخرج عن اليمين جميع رجال الكوفة لعموم الوصف من حيث انصرافه إلى تمييز الجنس كأنه قال: إلا كوفياً.

فأما إذا قال: أي عبيدي ضربته، فالضرب مضاف إلى المخاطب فبقيت العبرة للعبد الداخل تحت كلمة "أي" فكان خاصاً كالنكرة.

فإن قيل: لو قال: أيكم حمل هذه الخشبة فهو حر، فحملوها جميعاً، وهي خفيفة يحملها كل واحد، لم يعتقوا وإن عمهم صفة الحمل.

قلنا: إنه ما ميز العتق بالحمل مطلقاً، ولكن بحمل الخشبة فإذا حملوها جملة فما اتصف واحد منهم بحمل الخشبة، وإنما اتصف بحمل البعض فلم يوجد الوصف الذي تعلق العتق به، فأما الضرب فيتم من الواحد بفعله وإن ضرب معه غيره، وعلى هذا قوله تعالى: {أيكم يأتيني بعرشها} إلا أن تكون الخشبة ثقيلة لا يحملها الواحد فإنهم يعتقون لأن دلالة الحال تدل على أن المراد به الحمل الممكن وهو الحمل على الشركة إذ باليمين لا يمنع نفسه عما ليس يمكن عادة، فينصرف المطلق إلى المعتاد إلا أن لا يحتمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015