- الفرع الرابع: إذا أفتى المجتهد في مسألة ثم سئل عنها مرة أخرى، فإن كان ذاكرًا لاجتهاده الأول أفتى به، كان نسيه استأنف الاجتهاد، فإن أداه إلى خلاف الأول أفتي بالثاني (?).
وهي على الجملة أربعة: التكليف، والثاني العدالة، والثالث جودة الحفظ، والرابع المعرفة بما يتوقف عليها الاجتهاد من العلوم (?)، وهي خمسة فنون:
- أولها: كتاب اللَّه تعالى فلا بد من حفظه، وتجويد قراءته ولو بحرف واحد من الأحرف السبعة، وفهم معانيه لا سيما آيات الأحكام، ومعرفة المكي والمدني منه، ومعرفة المحكوم، والناسخ والمنسوخ منه وغير ذلك من علومه.
وقال قوم من الأصوليين: لا يشترط حفظه للقرآن ولا حفظه لآيات الأحكام منه بل العلم بمواضعه لينظر فيها الحاجة إليها (?)، وهذا خطأ من وجهين:
أحدهما: أن الأحكام قد تخرج من غير الآيات المعلومة فيها فيضطر إلى حفظ الجميع.
والآخر: أن من زهد في حفظ كتاب اللَّه كما ينبغي أن يكون إمامًا في دين اللَّه، كيف وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كِتَابُ اللَّهِ هُوَ حَبْلُ اللَّه المَتِينُ، وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، فِيهِ خَبَرُ مَنْ قَبْلَكُمْ وَنَبَأ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارِ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَن ابْتَغَى الهُدَى مِنْ غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ" (?) حسبك هذا الوعيد لمن تركه وابتغى الهدى من غيره.
- وثانيها: حفظ حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأحاديث أصحابه، وحفظ أسانيدها، ومعرفة الرجال الناقلين لهما، على أن أئمة المحدثين رضي اللَّه عنهم وجزاهم خيرًا، قد قاموا بوظيفة معرفة الناقلين، وتجريحهم وتعديلهم، وتمييز الحديث الصحيح من غيره، وتدوينه في تصانيفهم حين كفوا من بعدهم مؤنة معرفة الأسانيد والرجال، وصار ذلك للمجتهد صفة كمال.