وقال قوم: لا يشترط في المجتهد حفظ الحديث (?)، وهذا أيضًا خطأ، فإن أكثر الأحكام منصوصة في الحديث، فإذا لم يعرف الحديث أفتى بالقياس أو غيره من الأدلة الضعيفة وخالف النص النبوي.
- وثالثها: المعرفة بالفقه، وحفظ مذاهب العلماء في الأحكام الشرعية ليقتدي في مذاهبه بالسلف الصالح، وليختار في أقوالهم ما هو أصح وأرجح، ولئلا يخرج عن أقوالهم بالكلية، فيخرق الإجماع، وقد كان مالك على جلالته يقتدي بمن تقدمه من العلماء، ويتبع مذاهبهم.
- ورابعها: المعرفة بأصول الفقه، فإنه الآلة التي يتوصل بها للاجتهاد (?).
- وخامسها: المعرفة بما يحتاج إليه من علوم لسان العرب من النحو واللغة ليفهم بذلك القرآن والحديث إذ هما بلسان العرب (?).
وأما معرفته بغير ما ذكرنا من العلوم فليست شرطًا في الاجتهاد في الأحكام الشرعية، ولكنها صفةكمال، ومن أراد الاجتهاد في فن من الفنون فلا بد له من معرفته ومعرفة رواته.
الأحكام الشرعية ضربان: عقلية وهي أصل الدين، وسمعية وهو فروع الفقه.
- فأما أصول الدين كإثبات الصانع ووحدانيته وصفاته، وإثبات النبوة وغير ذلك، فإن الحق فيها في قول واحد وما عدا ذلك باطل، وعلى ذلك اتفق العلماء إلا الجاحظ والعنبري فإنهما قال: "كل مجتهد مصيب في أصول الدين"، بمعنى نفي الإثم لا بمعنى مطابقة الاعتقاد للحق.
- وأما الفروع فهي على ثلاثة أضرب:
ضرب لا يسوغ الاجتهاد فيه لأنه علم من الدين بالضرورة، كوجوب الصلوات الخمس وصيام رمضان وتحريم الخمر، فمن خالف في شيء من ذلك فهو مخطئ بإجماع ويكفر، لأن المخالفة في ذلك تكذيب للَّه ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-.