دار كما روي: " إنكم خلقتم للأبد لكنكم تنقلون من دار إلى دار حتى يستقر بكم القرار. فهو وإن كان في الظاهر فناءً واضمحلالاً فهو في الحقيقة ولادة ثانية قال الشاعر في ذلك:
تمخضت المنون له بيوم ... أتى ولكل حاملة تمام
فإنه جعل للمنون حملاً كحمل المرأة وتمخضاً متمخضها وولادة وولادة كولادتها تنبيهاً على انه أحد أسباب الكون. قال بعضهم: الإنسان ما دام في دنياه جار مجرى الفرخ في البيضة فكما أن من كمال الفرخ تفلق البيض عنه وخروجه منه، كذلك من شرط كمال الإنسان مفارقة هيكله ولولا هذا الموت لم يكمل الإنسان، فالموت إذن ضروري في كمال الإنسان، ولكون الموت سبباً للإنتقال من حال أوضع إلى حال أشرف وأرفع سماه الله تعلى توفياً وإمساكاً عنده فقال تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليه الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) ولهذا تقول العرب: استأثر الله بفلان، ولحق بالله ونحو ذلك من الألفاظ ولأجل أن الموت الحيواني انتقال من منزل أدنى إلى منزل أعلى أحبه من وثق بما له عند الله، ولم يكره هذا إلا أحد رجلين أحدهما من لا يؤمن بالآخرة وعنده أن لا حياة ولا نعيم إلا في الدنيا كمن وصفهم الله تعالى بقوله: (ولتجدنهم أحرص لناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يُعمَّر) . وقال بعض من هذه طريقته شعراً في هذا المعنى: