في إثبات المعاد وفضيلة الموت وما يحصل بعده من السعادة
لم ينكر المعاد والنشأة الآخرة إلا جماعة من الطبيعيين أهملوا افكارهم وجهلوا أقدارهم، وشغلهم عن التفكير في مبدأهم ومنشأهم شغفُهم بما زين لهم من حب الشهوات المذكورة في قوله تعالى: (زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير لمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) . وأما من كان سوياً ولم يمش مكباً على وجهه لكونه: (كالأنعام بل هم أضل سبيلا) وتأمل أجزاء العالم علمٌ أن أفضلها ذوات الأرواح وأفضل ذوات الأرواح ذوو الإرادة والاختيار في هذا اعالم، وأفضل ذوي الإرادة والاختيار الناظر في العواقب وهو الإنسان فيعلم أن النظر في العواقب من خاصية الإنسان، وأنه لم يجعل تعالى هذه الخاصية له إلا لأمر جعله له في العقبى، وإلا كان وجود هذه القوة فيه باطلاً فلو لم يكن للإنسان عاقبة ينتهي إليها غير هذه الحياة الخسيسة المملوءة نصباً وهماً وحزناً ولا يكون بعده