في تحقيق العبادة العبادة فعلٌ اختياريٌ للشهوات البدنية، تصدر عن نية يراد بها التقرب إلى الله تعالى طاعةً للشريعة. فقولنا فعلُ اختياريٌ يخرج منه الفعل التسخيري والقهري ويدخل فيه الترك الذي هو على سبيل الاختيار، فإن الترك ضربان، ضرب على سبيل الاختيار وهو فعل. وضرب هو العدم المطلق لا اختيار معه بل هو عدم الاختيار وليس بفعل. وبقولنا مناف للشهوات البدنية يخرج منه ما ليس بطاعة، وأما الأفعال المباحة كالأكل والشرب ومجامعة المرأة فليس بعبادة من حيث أنها شهوة ولكنها قد تكون عبادة إذا تحري بها حكم الشريعة، وإنما قيل تصدر عن نية يراد بها التقرب إلى الله تعالى لأنها إن خلت عن نية أو صدرت عن نية لم يقصد بها التقرب إلى الله تعالى بل أريد بها مراءاة لم تكن أيضاً عبادة، وإنما قيل طاعة للشريعة لأن من أنشأ من نفسه فعلا ليس بسائغ في الشريعة لم يكن عبادة وإن قصد به التقرب إلى الله تعالى، فالعبادة إذاً فعل يجمع هذه الأوصاف كلها.