بالتمييز والعلم. وكل واحد من هذه الثلاثة أما أن يحمد عليه الإنسان أو يذم. فحمده أن تكون أفعاله جميلة وعوارض نفسه مستقيمة وقلبه ذكياً حتى يعتقد الحق ويقوي على معرفته إذا ورد عليه. والمذمة تلحقه إن كانت على أضداد ذلك. والعبادات بهذه الأشياء الثلاثة تختص. ولله تعالى في كل فعل يتحراه الإنسان عبادة سواءٌ كان الفعل واجباً أو ندباً أو مباحاً، وتكون تلك العبادة مبينة أما ببديهة العقل أو بالكتاب أو بلسان النبي أو بإجماع الأمة أو بالاعتبارات والأقيسة المبنية على هذه الأصول بل ما من حكم إلا وكتاب الله ينطوي عليه كما قال الله تعالى: (ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ) . عرفه من عرفه وجهله من جهله. وما من مباح إلا وإذا تعاطاه الإنسان على ما يقتضيه حكم الله تعالى كان الإنسان في تعاطيه عابداً لله مستحقاً لثوابه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعدٍ: " إنك لتؤجر في كل شيء حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك ". ومخاطبته لسعد بذلك لما عرف منه أنه يراعي في أفعاله حكم الله تعالى. وعلى هذا الوجه قال: " ما من غرس غرساً لم يأكل منه شيئاً إلا كان له صدقة ". ومراعاة أمر الله في جميع الأمور دقيقها وجليلها مستحب للكافة وواجب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى كل من تقرب منزلته من منزلته لقول الله تعالى: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك) .