لمن عرف الحق فاعتقده والخير فعمله بحسب وسعه، وهذا معنى يتفاضل فيه الناس ويتفاوتون فيه تفاوتاً بعيداً، وبحسب تحصيله يستحق الإنسانية وهي تعاطي الفعل المختص بالإنسان فيقال فلان أكثر إنسانية. وكما يقال الإنسان على وجهين يقال له الحيوان الناطق على وجهين عام ويراد به مَنْ في قوة نوعه استفادة الحق والخير، كقولك الإنسان هو الكاتب دون الفرس والحمار، أي هو الذي في قوته استفادة الكتابة. وكذا يقال له عبد الله على وجهين: عام ويراد به الحيوان المتعرض لارتسام أوامر الله ارتسم أو لم يرتسم وهو المشار إليه بقوله تعالى: (إِن كل من في السموات والأرض الاّ آتي الرحمن عبداً) وخاصٌّ وهو المرتسم لأوامر الله تعالى كما قال سبحانه: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) وكذا يقال له حيٌّ وسميع وبصير ومتكلم وعاقل كل ذلك على وجهين: يقال عاماً وهو لمن له الحياة الحيوانية التي بها الحس والتخيل والنزوع والشهوة ولمن سمع الأصوات ولمن يدرك الألوان، ولمن يُفهم الكافة بما يريده، ولمن له القوة التي يتبعها التكليف، والثاني يقال له خاصاً وهو لمن له الحياة التي هي العلم المقصود بقول الله تعالى: (لِيُنْذِر مَن كان حياً) وله السمع الذي به يسمع حقائق المعقولات، والبصيرة التي بها يدرك الاعتبارات، واللسان الذي به يورد التحقيقات، وهي التي نفاها عن الجهلة الكفرة في قوله تعالى: (صمٌّ بكمٌّ عميٌ فهم لا يعقلون) .