الذي يميز بين الخير والشر والجميل والقبيح. وإلى العقل أشار الله تعالى بقوله: (وصوَّركم فأحسن صوَرَكم) . فالإنسان بعقله صار معدن العلم ومركز الحكمة. ووجود العقل فيه إبتداء الأمر بالقوة كوجود النار في الحجر المحتاج في أن يري إلى الاقتداح، وكوجود النخل في النوى المحتاجة في أن تثمر إلى غرس وسقي. وكوجود الماء تحت الأرض المحتاجة في الاستقاءِ منه إلى حفره ونفس الإنسان واقعة بين قوتين: قوة الشهوة وقوة العقل، فبقوة الشهوة يحرص على تناول اللذات البدنية البهيمية كالغذاء والسفاد والتغالب وسائر اللذات العاجلة، وبقوة العقل يحرص على تناول العلوم والأفعال الجميلة والأمور المحمودة العاقبة، وإلى هاتين القوتين أشار الله تعالى بقوله: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا) . وبقوله: (وهديناه النَّجْدَين) .
ولما كان من جبلة الإنسان أن يتحرى ما فيه اللذة، وكانت اللذات على ضربين: أحدهما محسوس كلذة المذوقات والملموسات والمشمومات والمسموعات والمبصرات وهي من توابع الشهوة الحيوانية، والثاني معقول كلذة العلم وتعاطي الخير وفعل الجميل. واللذات المحسوسة أغلب علينا لكونها أقدم وجوداً فينا، لأنها توجد في الإنسان قبل أن يولد، وهي ضرورية في الوقت ولذلك قال الله تعالى: (يحبون العاجلة ويذرون الآخرة) ولذلك يكره أكثر الناس ما يأمر به العقل ويميل إلى ما يأمر به الهوى حتى قيل: " العقل