3- كما انتهيت الى تجريح مقاتل المحدث، لان القاعدة فى علوم الحديث انه إذا اجتمع فى الراوي جرح مبين السبب وتعديل- فالجرح مقدم على التعديل، وان كثر عدد المعدلين، لان مع المجرح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل.
4- ولا يمنعنا ذلك من احياء تفسيره وتحقيقه فهو اقدم تفسير كامل للقرآن وصل إلينا، ويكفيه قول الامام الشافعي رضى الله عنه: من أراد التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان.
اما الباب الثالث، فيتحدث عن مقاتل وعلم التفسير. وإذا كان التمهيد قد حدثنا عن التفسير قبل مقاتل، فان هذا الباب يحدثنا عن تفسير مقاتل. وهو تفسير جمع بين المأثور والمعقول، وتميز بالبساطة والسهولة والاحاطة التامة بمعاني الآيات ونظائرها فى القرآن، وما يتعلق بها من السنة، كما تميز باختيار أقوى الآراء فى الآية وأولاها بالصواب، دون سرد للخلاف. ورغم مرور اكثر من الف ومائة سنة على هذا التفسير، فانك تحس وأنت تقرؤه انه كتب لأوساط الناس فى هذه الأيام.
وتناولت الحديث عن كليات مقاتل، وهي من الفرائد النادرة التي سبق بها، مثل قوله كل شيء فى القرآن (آلاء الله) يعنى نعماء الله.
كما تحدثت عن جمع مقاتل بين الآيات التي يوهم ظاهرها التناقض وتأويله لها تأويلا عقليا.
وذكرت ان الجمع بين المعقول والمنقول يظهر واضحا جليا فى تفسير مقاتل، بل فى كل صفحاته تقريبا.
وكان لا بد هنا من الحديث عن أول من فسر القرآن، فذكرت ان من أوائل المفسرين- ابن عباس، وقتادة، وسفيان الثوري. ولكن تفاسيرهم كانت تقتصر على الآيات التي رويت آثار فى تفسيرها. اما تفسير مقاتل- فى علمنا- أول تفسير للقرآن كله آية آية.
وجاء دور الحديث عن أول من دون التفسير. ففرقت بين أول من دون التفسير بطريق الرواية والجمع، وأول من الف تفسيرا فنيا كاملا للقرآن. وغنى عن القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو أول من فسر القرآن، لأنه كلف تبليغه وبيانه. اما أول من دون التفسير فقد مال الدكتور احمد أمين الى انه الفراء (المتوفى سنة 207 هـ) ، وقد ناقشت هذه الدعوى فاثبت بطلانها بجملة ادلة منها:
1- ان تفسير الفراء ليس تفسيرا كاملا للقرآن، بل هو تفسير لكلمات لغوية ونحوية، وهو يقتصر على بعض الآيات دون بعض.
2- ان عبد الملك بن مروان (المتوفى سنة 86 هـ) سال سعيد بن جبير ان يكتب اليه بتفسير القرآن فكتب اليه سعيد بالتفسير الذي طلبه منه.
3- ان مجاهدا (المتوفى سنة 101 هـ) كان يسال ابن عباس عن التفسير ومعه ألواحه، وكان يكتب ما يقوله له حتى سأله عن التفسير كله.