وقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً} : أي تظنون أنه هين، والهين هو اليسير.
وقوله: {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] : أي تظنون أن هذه الشائعةِ التي اشتملت على تهمة عائشة رضي الله عنها يسيرة؛ ولكنها عظيمة عند الله عز وجل.
وهذا مثل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس في الصحيحين أنه مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) أي: ما يعذبان في شيء يظنه الناس كبيراً، وكذلك قوله: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) : أي في ظنكم وحسبانكم أن الكلام في عرض عائشة رضي الله عنها يسير؛ ولكنه عند الله عز وجل عظيم.
وفي هذا دليل على خطر الكلام في الناس، وأن الإنسان قد يطعن في إنسان يحتقره ويظن أن الكلام فيه يسير ويكون من خيار عباد الله، فيكون الكلام فيه حرباً ومعاداةً لله عز وجل، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً، يهوي بها أبعد ما بين المشرق والمغرب في النار) وفي الرواية الأخرى: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه) ، فهذا كله يدل على خطر الآثام، وأن الإنسان قد يحتقر الذنب وهو عند الله عظيم، بل قال بعض العلماء: إن الكبيرة هي الذنب الذي يحتقره الإنسان، ومن ثم قال بعض أهل العلم وهو قول مأثور عن بعض السلف: (لا تنظر إلى المعصية؛ ولكن انظر إلى عِظم مَن عصيت) ، أي: انظر إلى عظمة الله تبارك وتعالى، والمؤمن على كل حال إذا أصاب الذنب ولو كان يسيراً فإنه يعُدُّه في حق الله عز وجل كبيراً لحياة قلبه وروحه، كما ثبت بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن المؤمن إذا أصاب الذنب أصابه الهم، كأنه قد حمل جبلاً على ظهره، فلا يزال في عناء ذلك الذنب حتى يغفره الله له، والمنافق يصيب الذنب العظيم فلا يراه إلا كالذبابة تحط على أنفه قد قُلِع عنه من يسير ما يظن في ذلك الذنب) ، ولذلك قال بعض العلماء: من دلائل حياة القلب وموته: خوفُه من الذنب وتساهلُه فيه؛ فإذا كان الإنسان عند إصابته لأي ذنب يتألم ويتأوه ويتوجع كان ذلك دليلاً على صلاح قلبه وحياة فؤاده، وأما إذا كان على خلاف ذلك والعياذ بالله فإنه لا يحس بأثر ذلك الذنب، ويراه شيئاً يسيراً، نعوذ بالله عز وجل من موت القلوب.