يقول تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:13] .
قوله تبارك وتعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:13] ، أي: هلا جاءوا على هذا الإفك والكلام الذي زعموه في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بالبينة التي تدل على صدق دعواهم.
وقوله: (بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) فيه دليل على البينة التي يثبت بها القذف، وأنه إذا قذف الإنسان غيره، وأقام أربعة شهود، فإن ذلك يوجب سقوط حد القذف عنه، لكون تلك البينة مصدِّقةً ومحقِّقةً لما قاله من رمي المتهم بذلك.
قوله تعالى: (بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) : قد تقدم الكلام في ذلك عند بيان حد الزنا، وما يثبت به حد الزنا، وأن الشهادة في القرآن في هذا الموضع مطلقة، وأن هذه الآية وأمثالها قد خصصتها آيات أخر، وذلك في قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282] ، فليس المراد بأربعة شهداء مجردين عن العدالة، وإنما المراد من الشهود العدول الذين تُرضَى عدالتهم وأمانتهم واستقامتهم.
{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ} [النور:13] : أي: فلو قالوا ذلك ولم يأتوا بأربعة شهداء.
{فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ} [النور:13] : قال: (فَأُوْلَئِكَ) لم يقل: فهم، وإنما عبَّر باسم الإشارة للبعيد، قال بعض العلماء: فيه نكتة لطيفة تدل على بعدهم وحقارتهم؛ أي: من اتهم وليس عنده أربعة شهود على تهمته، ولو كان صادقاً، فإنه يعتبر في حكم الشرع -بحسب الظاهر- من الكاذبين.
وقوله: {فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ} [النور:13] : أي في حكم الله عز وجل وشرعه؛ لأنه لو قال قائل: (عِنْدَ اللَّهِ) أي في حقيقة الأمر لأشكلت الآية، ووجه هذا الإشكال أن الإنسان قد يقذف امرأة رآها تزني وقد يقذف رجلاً رآه يزني، ويكون صادقاً ولا بيِّنة عنده، فلو قلنا: إن قوله تعالى: (فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) ، على أنها على ظاهرها لأشكلت الآية، فهو صادق عند الله؛ لأنه اتَّهم بالزنا بدليل، ولذلك قال العلماء: إنما المراد (عِنْدَ اللهِ) أي أن القاضي يحكم على الظاهر، ويقال: إنهم كذبة على الحكم على الظاهر، وأما في الباطن فبينهم وبين الله عز وجل أنهم صادقون فيما قالوا إذا كان المتهم قد فعل ما اتُّهم به مِن فِعْل الزنا والعياذ بالله، سواءً كان رجلاً أو كانت امرأة.
يقول تعالى: (فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) : ولذلك يحكم القاضي بفسق الإنسان إذا اتهم غيره بالزنا بدون بينة كاملة، ويحكم برد شهادته وبفسقه، ولا يقبل شهادته أبداً حتى يتوب، كما تقدم ذلك عند الكلام على آية القذف.