ينبغي على الإنسان إذا سمع النقيصة في المؤمن ألاَّ يعجل في تصديقها، وقد قرر العلماء رحمهم الله أن الإنسان لو نقل المقالة التي تشتمل على الطعن في الإنسان؛ ولو كان على سبيل الحكاية، فإنه آثم والعياذ بالله، وقد توسع الناس في ذلك -كما قلنا- فهناك أناس يقدحون في الناس على اختلاف طبقاتهم، فيقدحون في العامة، ويقدحون في الخاصة، ويلصقون التهم بهم، وقد تصل التهمة إلى الدين والعياذ بالله، والخروج من الملة، وكل ذلك لا يجوز كما قلنا، فقد يتهم القاضي في حكمه، ويقال: إنه مرتشٍ، وهو أبعد ما يكون عن الرشوة، وأنزه ما يكون عنها، فيأتي إنسان مغفل لا يراقب الله في أعراض المسلمين، فيسمع مفتوناً يتكلم في ذلك القاضي على سبيل المثال، أو يسمع عدواً للقاضي يقول مقالته التي يطعن فيه بها، فيقول: إنه غير عالم، أو يأخذ الرشوة، أو يجور في حكمه، أو يستعجل في حكمه، فيأتي ويقول: تقول الناس في فلان كذا وكذا، وقد يأتي داعية إلى الله له بلاء ورسوخ، وحسن بلاءٍ في الساحة، فيقول رجل فيه: فيه كذا وكذا، وقد يكون من أجهل الناس بذلك العالم والداعية، فيقول فيه ما يقول، فيأتي إنسان ويحمل هذه المقالة فيقول: يقال في فلان كذا وكذا.
هذا الكلام الذي نقله على هذا الوجه يعتبر إثماً عليه والعياذ بالله، ولو نقله غيره ولو على سبيل الحكاية فإنه يعتبر آثماً.
وهذا كله يدل على سمو منهج الشرع في علاج الشائعة، فأحسن علاج في رد بلاء الشائعات التي تشتمل على أذية الناس في أعراضهم، هو: - ما بيَّنه القرآن بعد تثبت واستبيان.
- والأمر الثاني: أنه ينزل نفسه منزلة المتكَلَّم فيه.
وقد أشار الله إلى هذين العلاجين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] ، أي: نادمين في الدنيا على إصابة الذنب، ونادمين في الآخرة بما يلحقكم من العذاب والعقوبة والعياذ بالله، وأشار الله إلى العلاج الثاني، وهو الكف عن نقل الشائعات بحسن الظن، وتنزيل الناس منازلهم، والبقاء على البراءة الأصلية بقوله: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:12] ، فهذا يدل على أنه ينبغي للإنسان أن يكف عن الشائعة وألاَّ يعتني بنقلها.
وقوله: (إِفْكٌ) : أي كذب.
وقوله: (مُبِينٌ) أي: بيِّن واضح، وعبَّر بـ (فَعِيْل) وهي صيغة من صيغ المبالغة، أي كونه كذباً واضحاً لا شك فيه ولا مرية.