وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور:6] : هذه الآيات الكريمات سبب نزولها أنه بعد أن نزلت الآيات السابقات تدل على أنه من قذف المؤمنة أو قذف المحصنة، فإنه ينبغي أن يقام عليه الحد ثمانين جلدة، إذا كان لم يُقِمِ الشهودَ على صدق قوله، فلما بين الله تبارك وتعالى وجوب الحد على القاذف، وقَعَ في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أحد الصحابة وهو عويمر العجلاني، رأى من امرأته الزنا بعينيه، وكذلك هلال بن أمية رضي الله عنه وأرضاه، كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل على أهله عشاءً فرأى ما يكرهه، فانتظر إلى الصباح فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشكى إليه ما رأى وقال: (يا رسول الله! الرجل يجد مع امرأته رجلاً، إن تكلم جلدتموه، وإن قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ) : فقوله: (إن تكلم جلدتموه) : أي جلدتموه حد القذف.
(وإن قتل -أي: قتل الزاني- قتلتموه) .
(وإن سكت سكت على غيظ) : فكيف يسكت على فراشٍ فاسد.
فعَظُم الأمر على الصحابة؛ لأنهم خافوا أن يقيم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحد عليه.
فرواية عويمر العجلاني فيها أنه أمر عاصم بن عدي رضي الله عنه -ابن عمه- أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا عاصم! الرجل يجد مع امرأته الرجل، إن تكلم جلدتموه، وإن قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ، سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فذهب عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم رجع فجاءه عويمر، فقال: ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال له عاصم: والله! ما جئتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسألتك، فلما علم منه ذلك مضى عويمر بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلمه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كره المسألة؛ لأنه يظن أنها لم تقع، فلما كان قد بُلِي بها ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يخبره عن هذا البلاء الذي بُلِي به في أهله، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال مقالته، فأنزل الله الوحي على رسوله صلوات الله وسلامه عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: قد أُنْزِل فيك وفي صاحبتك قرآن، فاذهب وائتِ بها) .
وفي حديث هلال بن أمية رضي الله عنه وأرضاه أنه قذف امرأته بـ شريك بن سحماء، فلما قذفها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت هذه الآيات لم تنزل بعد، فلما قذفها بذلك، قال الصحابة: الآن يجلد هلالاً، فأنزل الله عز وجل على نبيه صلوات الله وسلامه عليه هذه الآيات.