المسألة الأولى: وهي لو فرضنا أن الزوج أثناء لعانه نَكَل، أو الزوجة أثناء لعانها نَكَلت، صورة هذه المسألة أن يقوم الزوج فيحلف الأيمان، حتى إذا بلغ اليمين الخامسة يذكره القاضي بالله ويذكره بعقوبة الله، فيقول: أنا تائب، وأنا كاذب فيما قلت، فيكذِّب نفسه فما الحكم؟ إذا وقف الزوج وحلف بعض الأيمان أو حلف حتى بلغ الخامسة، وذُكِّر بالله فرجع عن حلفه، فإنه يجب إقامة حد القذف عليه في هذه الحالة، ويُحكم بلحوق الولد به.
أما إذا كذَّبت المرأة نفسها، كأن تكون المرأة في منتصف الأيمان وقالت: إنه صادق، ورجعت عن تكذيبه وأقرت، فإنه يقام عليها حد الرجم والعياذ بالله! فترجم حتى تموت وتتلف نفسها عقوبة من الله، كالحال في الزاني المحصن، وأما إذا رجعت أثناء الحلف فنكلت وترددت فهل يقام عليها الحد أم لا؟ وجهان للعلماء رحمهم الله: أصحهما أنه يقام عليها الحد إذا تلكأت، تُخيَّر بين الإتمام وبين إقامة الحد عليها.
المسألة الثانية: إذا أقيمت المرأة وأقيم الرجل للحلف والإدلاء بشهادات اللعان، واستتم الرجل الشهادات وأكملها وامتنعت المرأة أن تحلف بعد حلف الزوج، وامتنعت أن تقر بالزنا فللعلماء وجهان: الوجه الأول: أن شهادة الزوج الكاملة توجب إقامة الحد عليها إذ امتنعت من اللعان، وهذا الوجه هو مذهب الجمهور.
والوجه الثاني: أنه إذا استتم الرجل الأيمان كاملةً وامتنعت المرأة من الحلف حُبِست حتى تحلف، وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة، أن تحلف أو أن تبقى في سجنها حتى تموت.
وأصح الأقوال -والعلم عند الله- أنها تخير بين الأمرين؛ بين الحلف، أو يقام عليها حد الرجم مباشرة؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور:8] فدل على أن العذاب يلزمها رجماً إن لم تحلف الخمسة الأيمان، ولأن كل يمين من الزوج تعتبر قائمةً مقام الشاهد، فكانت بمثابة البيِّنة الكاملة، فكأن الزوج قد أقام أربعة شهود على صدق قوله.
المسألة الثالثة: إذا امتنع الزوج من الحلف، فإنه يخير بين الأمرين: بين أن يلاعن، وبين أن يقام عليه حد القذف، فإن شاء استتم اللعان، وإن شاء أُقيم عليه حد القذف، ويُحكم بلحوق الولد في النسب.
فهذا هو المراد من آية اللعان.