ثم قال الله: (وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ) ، امرأة هي جميلة في نظرها تنظر إلى أخرى وترى أنها ذميمة، هي رابعة الطول وهي قصيرة، ذات حسب ونسب، وتلك خادمة مسكينة، وكذلك كل ما يقال ويوجد في الرجال للرجال يقال ويوجد في النساء للنساء، قد تسخر منها لجمالها وتكون إما عند الله هي خير منها، وإما أن تكون في الدنيا أيضاً.
أنس رضي الله عنه لما تزوج ودخل على زوجه -ما كان رآها قبل ذلك- فلما نظر إليها كأنه كان يتوقع أحسن من هذا، فعرفت ذلك في وجهه، فقالت: يا أنس! إن الله تعالى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] .
وهو رجل فقيه لما سمع كلام الله وفي وقت حرج مثل هذا قال: قبلنا، فرزقه الله منها بـ مالك فعوضه الله بأعلى من المستوى الذي كان يريد، ومالك جاء بجارية ورزق منها بهذا الولد الذي أصبح إمام دار الهجرة، والله لو كان سيزنها بالذهب فإنه لا يعادلها، لو أن امرأة أخرى في جمالها وحسبها رأت تلك المرأة التي تزوجها أنس لازدرتها، ولو كانت تعرف بأنها سوف تنجب مالك بن أنس، في تلك الساعة ازدرت نفسها عند تلك المرأة.
يقول بعض العلماء: إن القسمة هنا ثنائية رجال من رجال.
هذا قسم، نساء من نساء.
هذا قسم آخر، ولم يأت ذكر رجال يسخرون من نساء، ولا قسم نساء يسخرن من رجال؛ لأن بين الرجل والمرأة بون شاسع، وكمال الرجل لا يجعله يضع نفسه في مقارنة مع امرأة؛ لأنه ينظر نقائصها فلا يسخر منها، وكذلك المرأة مع الرجل؛ لأنها ترى أن الرجل أعلى منزلة منها، فلا تضع نفسها في رفعة حتى أنها تسخر من الرجل، فرجولته تغطي كل شيء، ولذا جاء بالفريقين فقط: قوم من قوم، ونساء من نساء.