لو أن شخصاً من إحدى الطائفتين سخر بالطائفة الثانية؛ فإن إسناد السخرية يكون للطائفة التي منها الشخص الذي سخر، ويكون الإسناد للمجموع لا للفرد فقط؛ لأن الواحد يتكلم باسم جماعته، ومن هنا لو أن البعض لم يسخر ولم يرض لكنه مشارك بالسكوت كما قيل: وسامع الذم شريك لقائله ومطعم المأكول شريك الآكل الذي سمع ما ذم إنساناً لكنه سمع ورضي وتلذذ بذلك، كما قيل: لم آمر بها ولم تسؤني؛ فهو مشارك للذي سب، أو ذم غيره، وعليه فهو مشترك في الإثم، وهكذا هنا الجماعة الواحدة؛ فالذي يتكلم منهم ويسخر من الطائفة الثانية كأنه تكلم باسم الجميع، والجميع يتحمل الإثم؛ لأنه سكت ورضي.
وهكذا أي إنسان ذكر إنساناً بسوء وعنده من إخوانه من لم يرد عليه ولم يمنعه؛ فمن رضي بذلك فهو مشترك في الإثم معه بسكوته عنه وعدم نهيه عن فعله، ولذا جاء في بني إسرائيل: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79] ، ويقول علماء الأصول: الترك فعل في صحيح المذهب، فإذا رأى إنسان منكراً وهو يستطيع أن ينكره وترك النهي فهو كالذي فعله، ولو أن إنساناً وجد آخر يسبح في الماء وأوشك على الغرق، ويستطيع أن ينقذه دون مضرة عليه؛ فتركه حتى غرق فهو مشارك في مسئولية غرقه، ويقولون أيضاً: لو أن إنساناً في فلاة ووجد ظمآناً يكاد أن يهلك من العطش، وعنده فضل ماء يزيد على حاجته وتركه ولم يسقه فمات فهو مسئول عنه.
وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: (لو أن إنساناً مات جوعاً في حي من الأحياء لألزمتهم ديته لأنهم تركوا إطعامه) ، هم لم يقتلوه ولكنهم أمسكوا فضل طعامهم ومائهم؛ فبإمساكهم ما به حياة إنسان يكونوا قد فعلوا ما يوجب الموت بالفعل، وهنا إشارة لطيفة في التعبير بلفظ بدل من لفظ، كان ممكن أن يقول: لا يسخر إنسان من إنسان، مسلم من مسلم، مؤمن من مؤمن، وهي تؤدي المعنى، ولكن يأتي بلفظ: (قوم) ، والحاصل: أن السخرية لا تنشأ إلا من شخص واحد، إذا الواحد الذي أنشأ السخرية يمثل القوم، والقوم موافقون وراضون وساكتون، أما من ينكر ذلك فقد خرج منهم.