نلحظ في هذه الآية الإعجاز القرآني اللفظي والتنبيهات اللطيفة في قوله: (لا يَسْخَرْ قَومٌ) ، المفروض أن الذي سيسخر هو فرد واحد، ولكن الله سبحانه أسند السخرية المنهي عنها بقوم، والقوم هم الجماعة، و (قوم) لفظ خاص بجماعة الرجال، وقالوا: إن مادة قوم والقيام والقوامة ممثلة في الرجال؛ لأنهم هم الذين يقومون بالواجبات، كما قال الله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] ؛ فوصف الرجال بالقوامة؛ ولذا كان لفظ القوم خاصاً بالرجال فقط، ولذا عطف عليه القسيم الثاني وهم النساء، فقال: (وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ) فكون الإسناد هنا لجماعة أو لقوم وهم عدد، مع أن العادة جارية بأن السخرية لا تنشأ ولا توجد إلا من فرد واحد؛ فلماذا جاء اللفظ بالقوم -وهم الجماعة- نيابة على الواحد؟ أشرنا سابقاً بأن آيات القرآن يرتبط بعضها ببعض، ولذا لو رجعنا قليلاً لوجدنا قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] ، فهنا طائفة متقاتلة مع طائفة أخرى، والطائفة هي الجماعة، والجماعة هي القوم، ولما انتهى القتال وجاء الإصلاح وتدخل المؤمنون قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ َ} [الحجرات:10] ، ثم جاء تصفية ما عساه أن يكون من بقايا القتال بين الطائفتين، فقد تكون طائفة أقوى من الأخرى فتفخر عليها وتسخر من الطرف الثاني، فجاء التعبير بالقوم بناء على أنه تقدم عندنا طائفتان.