والخلاصة: أن اْقوالهم تخالف أفعالهم، فهم يقرون بوحدانية الله، وعظيم قدرته وجلاله، ثم هم يعبدون معه سواه، مما هم معترفون بأنه خلقه.
قال بعضهم (?): قد ذكر الله تعالى آية الرزق، ثم آية التوحيد، ثم كررهما في صورتين أخريين، تنبيهًا منه لعباده المؤمنين على أنه سبحانه لا يقطع أرزاق الكفار، مع وجود الكفر والمعاصي، فكيف يقطع أرزاق المؤمنين مع وجود الإيمان والطاعات، وأنه سبحانه لا يسأل من العباد إلا التوحيد والتقوى والتوكل، فإنما الرزق على الله الكريم، وقد قدر مقادير الخلق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وما قدر في الخلق والرزق والأجل لا يتبدل بقصد القاصدين، ألا ترى إلى الوحوش والطيور، لا تدخر شيئًا إلى الغد، تغدو خماصًا، وتروح بطانًا؛ أي: ممتلئة البطون والحواصل، لاتكالها على الله تعالى، بما وصل إلى قلوبها من نور معرفة خالقها، فكيف يهتم الإنسان لأجل رزقه، ويدخر شيئًا لغده، ولا يعرف حقيقة رزقه وأجله، فربما يأكل ذخيرته غيره، ويصل إلى غده، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - لا يدخر لغد إذ الأرزاق مجددة كالأنفاس المجددة في كل لمحة، والرزق يطلب الرجل كما يطلبه أجله. انتهى.
64 - ثم أشار سبحانه إلى تحقير الدنيا، وأنها من جنس اللعب واللهو، وأن الدار على الحقيقة هي دار الآخرة فقال: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} إشارة تحقير للدنيا، وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة، قال الإِمام الراغب: الحياة (?) باعتبار الدنيا والآخرة ضربان: الحياة الدنيا، والحياة الآخرة، فهي إشارة إلى أن الحياة الدنيا بمعنى الحياة الأولى بقرينة المقابلة بالآخرة، فإنه قد يعبر بالأدنى عن الأول المقابل للآخر، والمراد بالحياة الأولى ما قبل الموت، لدنوه؛ أي: لقربه، وبالآخرة: ما بعد الموت لتأخره.
{إِلَّا لَهْوٌ} أي: إعراض عن الآخرة {وَلَعِبٌ}؛ أي: شغل بما لا يعني ولا يهم، قال الرازي: اللهو: هو الإعراض عن الحق بالكلية، واللعب: الإقبال