المخلوقات، ومن عجبٍ أنهم بعد ذلك يشركون به بعض مخلوقاته، التي لا تقدر على شيء من ذلك.
فإن قلت: لِمَ (?) زاد {مَنْ} هنا في قوله {مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} وحذفها في البقرة، حيث قال هناك: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} وفي الجاثية أيضًا، حيث قال: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}؟
قلت: زادها هنا موافقةً لما قبله من قوله: {مِنْ عِبَادِهِ} وقوله: {مِنَ السَّمَاءِ} بخلاف ذلك في البقرة والجاثية.
ثم لما اعترفوا (?) هذا الاعتراف في هذه الآيات، وهو يقتضي بطلان ما هم عليه من الشرك، وعدم إفراد الله سبحانه بالعبادة .. أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يحمد الله على إقرارهم، وعدم جحودهم مع تصلبهم في العناد، وتشددهم في رد كل ما جاء به رسول الله من التوحيد، فقال: {قُلِ} يا محمد متعجبًا من حالهم {الْحَمْدُ لِلَّهِ} والشكر له على إظهار الحجة، واعترافهم بأن النعم كلها منه تعالى؛ أي: أحمد الله على أن جعل الحق معك، وأن أظهر حجتك عليهم.
وعبارة "القرطبي" هنا: قل الحمد لله على ما أوضح من الحجج والبراهين على قدرته، وقيل: قل الحمد لله على إقرارهم بذلك، وقيل: قل الحمد لله على إنزال الماء، وإحياء الأرض بالنبات. اهـ.
ثم ذمهم فقال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}؛ أي: شيئًا من الإشياء، فلذلك لا يعملون بمقتضى قولهم، فيشركون به سبحانه أخس مخلوقاته، وهو الصنم؛ أي: ولكن أكثر المشركين لا يعقلون ما لهم فيه النفع في دينهم، وما فيه الضر لهم، فهم لجهلهم يحسبون أنهم لعبادتهم الأصنام دون الله ينالون بها الزلفى والقرب عنده تعالى.