بالنكرة لما فيها من العموم.
{ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}؛ أي: واجدة مرارة الموت، ومتجرعة غصص المفارقة، كما يجد الذائق ذوق المذوق، وهذا مبني على أن الذوق يصلح للقليل والكثير، كما ذهب إليه الراغب، وقال بعضهم: أصل الذوق بالفم فيما يقل تناوله، فالمعنى إذًا: إن النفوس تذوق بملابسه البدن جزءًا من الموت.
واعلم (?): أن للإنسان روحًا وجسدًا، وبخارًا لطيفًا بينهما هو: الروح الحيواني، فما دام هذا البخار باقيًا على الوجه الذي يصلح أن يكون علاقةً بينهما، فالحياة قائمة، وعند إنطفائه وخروجه عن الصلاحية تزول الحياة، ويفارق الروح البدن مفارقةً اضطرارية، وهو الموت الصوري، ولا يعرف كيفية ظهور الروح في البدن ومفارقته له وقت الموت إلا أهل الانسلاخ التام.
{ثُمَّ إِلَيْنَا} لا إلى غيرنا؛ أي: إلى حكمنا وجزائنا {تُرْجَعُونَ} تردون (?) من الرجع، وهو: الرد، فمن كانت هذه عاقبته .. ينبغي أن يجتهد في التزود والاستعداد لها، ويرى مهاجرة الوطن سهلةً، واحتمال الغربة هونًا، هذا إذا كان الوطن دار الشرك، وكذا إذا كان أرض المعاصي والبدع، وهو لا يقدر على تغييرها، والمنع منها، فيهاجر إلى أرض المطيعين من أرض الله الواسعة.
والمعنى: كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت لا محالة، فلا يصعب عليكم ترك الأوطان، ومفارقة الإخوان والخلان، ثم إلى الله المرجع بالموت والبعث لا إلى غيره، فكل حي في سفر إلى دار القرار، وإن طال لبثه في هذه الدار، فيوفيكم جزاء ما تعملون، فقدموا له خير العمل تفوزوا بنعيم مقيم، وجنة عرضها السماوات والأرض.
وقرأ علي (?): {ترجعون} مبنيًا للفاعل من الرجوع، والجمهور: مبنيًا للمفعول بتاء الخطاب، وروى عن عاصم: بياء الغيبة، وقرأ أبو حيوة: {ذائقة}