وقضاؤه {الْعَلِيمُ} بأفعال العباد وأقوالهم، فقضاؤه موافق لواسع علمه.
ولما كان (?) القضاء يقتضي تنفيذ ما يقضي به، والعلم بما يحكم به .. جاءت هاتان الصفتان عقبه، وهو العزة؛ أي: الغلبة والقدرة، والعلم،
79 - وبعد أن أثبت لنفسه العلم والحكمة والجبروت والقدرة، أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوكل عليه وحده، فقال: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} سبحانه؛ أي: فإذا كان الله موصوفًا بهذه الشؤون الجليلة فتوكل على الله؛ أي: فوِّض جميع أمورك إلى الله سبحانه، وثق به فيها، ولا تبال بمعاداتهم، فإنه كافيك كل ما أهمك، وناصرك على أعدائك حتى يبلغ الكتاب أجله.
والتوكل (?) التبتل إلى الله، وتفويض الأمر إليه، والإعراض عن التشبث بما سواه، وأيضًا هو سكون القلب إلى الله، وطمأنينة الجوارح عند ظهور الهائل، ثم علل التوكل أولًا بقوله: {إِنَّكَ} أنت يا محمد {عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}؛ أي: على الدين الحق، الظاهر الواضح الذي لا خفاء في حقيقته، وهو دين الإِسلام، وإن خالفك فيه من خالفك ممن كتب عليه الشقاء، وصاحب الحق حقيق بالوثوق بحفظ الله ونصره.
80 - ثم علله ثانيًا بقطع طمعه في إيمان قومه، وأنه لا أمل في استجابتهم لدعوته، فقال: {إِنَّكَ} يا محمد {لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}؛ أي (?): لا تقدر على إسماع الحق لموتى القلوب، وهم الكفار؛ أي: لا تقدر أن تُفهم الحق من طبع الله سبحانه على قلوبهم، فأماتها، فإن كونهم كالموتى موجب لقطع الطمع في مشايعتهم، ومعاضدتهم رأسًا. وتخصيص الاعتماد به تعالى، وهو المعني بالتوكل عليه؛ لأنه إذا علم أن حالهم كحال الموتى في انتفاء الجدوى بالسماع صار ذلك سببًا قويًا في عدم الاعتداد بهم.
وإطلاق الإسماع على المعقول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات،