فإن قلت (?): إن قوله: {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يناقض قوله تعالى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} فكيف الجمع بينهما؟
قلت: إنه يبين الكل لكن أكثره بالتصريح والتنصيص، وأقله بالرمز والإشارة، كما في "الكرخي".
والمعنى: أي إن هذا القرآن الذي أنزلته إليك أيها الرسول يقص على بني إسرائيل الحق في كثير مما اختلفوا فيه، وكان عليهم لو أنصفوا أن يتبعوه لكنهم لم يفعلوا، وكابروا مع وضوح الحق وظهور دليله، كما تفعلون أنتم أيها المشركون.
77 - ثم وصف القرآن بقوله: {وَإِنَّهُ} أي: وإن هذا القرآن {لَهُدًى} للمؤمنين؛ أي: لهاد لهم إلى سبيل الرشاد، {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} الذين آمنوا به وصدقوه، وعملوا بما فيه مطلقًا، سواء كانوا من بني إسرائيل، أو من غيرهم، وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون به.
78 - وبعد أن ذكر فضله وشرفه أتبعه بدليل عدله، فقال: {إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {يَقْضِي بَيْنَهُمْ}؛ أي: يحكم بين المختلفين من بني إسرائيل يوم القيامة {بِحُكْمِهِ}؛ أي: بعدله؛ أي: بحكمه العادل الحق الذي لا جور فيه، فينتقم من المبطل منهم، ويجازي المحسن بما يستحق من الجزاء، وقيل: يقضي بينهم في الدنيا فيُظهر ما حرَّفوه.
وقرأ الجمهور: {بِحُكْمِهِ} بضم الحاء وسكون الكاف، وقرأ (?) أبو المتوكل وأبو عمران الجوني وعاصم الجحدري: {بحكمه} بكسر الحاء وفتح الكاف، جمع حكمة. وفي "فتح الرحمن": تجوَّز بحكمه عما يحكم به، وهو العدل، وإلا فالقضاء والحكم واحد. اهـ.
{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْعَزِيزُ} الغالب القادر، الذي لا يرد حكمه