وإنما شُبِّهوا بالموتى لعدم انتفاعهم بما يُتلى عليهم من الآيات، والمراد الذين طُبع على قلوبهم، فلا يخرج ما فيها من الكفر، ولا يدخل ما لم يكن فيها من الإيمان.

{وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}؛ أي: ولا تقدر أن تُسمع الصم الدعوة إلى أمر من الأمور، جمع أصم، والصمم فقدان حاسة السمع، وبه شُبه من لا يصغي إلى الحق، ولا يقبله، كما شبه هنا؛ أي: ولا تقدر أن تسمع الحق من أصمهم الله عن سماعه، وشبههم بالصم البكم ليبين أنه لا أمل في استجابتهم للدعوة؛ لأن الأصم الأبكم لا يسمع الداعي بحال.

وفي "التأويلات النجمية": ولا تُسمع الصم الذين أصمهم الله بحب الشهوات، فإن حبك الشيء يُعمي ويصم؛ أي: يعمي عن طريق الرشد، ويصم عن استماع الحق.

ثم ذكر جملة لتكميل التشبيه وتأكيده، فقال: {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}؛ أي: لا تسمع الصم إذا أعرضوا عن الحق إعراضًا تامًا، وانصرفوا حال كونهم مدبرين؛ أي: معرضين عن الحق، تاركين ذلك وراء ظهورهم فتقييد (?) النفي بإذا لتكميل التشبيه، وتأكيد النفي، فإن إسماعهم في هذه الحالة أبعد؛ أي: إن الأصم لا يسمع الدعاء مع كون الداعي بمقابلة صماخه قريبًا منه، فكيف إذا كان خلفه بعيدًا منه، معرضًا عنه، موليًا مدبرًا.

وظاهر نفي سماع الموتى العموم (?)، فلا يخص منه إلا ما ورد بدليل كما ثبت في الصحيح: إنه - صلى الله عليه وسلم - خاطب القتلى في قليب - بئر - بدر، فقيل له: يا رسول الله إنما تكلم أجسادًا لا أرواح لها؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده ما أنتم باسمع لما أقول منهم" أخرجه مسلم، وكما ثبت أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015