القلة التي أريد بها العدم، أو ما يجري مجراه في الحقارة وقلة الجدوى، وفيه إشارة إلى أن مضمون الكلام مركوز في ذهن كل ذكي وغبي، وإنه من الوضوح بحيث لا يتوقف إلا على التوجه إليه وتذكره.
وقرأ الجمهور (?): {تَذَكَّرُونَ} بالفوقية على الخطاب، والحسن والأعمش وأبو عمرو وهشام ويعقوب: بالتحتية على الخبر ردًا على قوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، واختار هذه القراءة أبو حاتم، والذال في القراءتين مشددة لإدغام التاء فيها، وقرأ أبو حيوة شاذًا: {تتذكرون} بتاءين.
63 - ثم زادهم تأنيبًا وتهكمًا من ناحية أخرى فقال: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ}؛ أي: بل أمن يهديكم ويرشدكم إلى مقاصدكم {فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}؛ أي: في ظلمات الليالي فيهما بالنجوم وعلامات الأرض، على أن الإضافة للملابسة، أو في مشتبهات الطرق، يقال: طريقة ظلماء أو عمياء للتي لا منار بها، وشبهها بالظلمات لعدم ما يهتدون به فيها؛ أي: أهو خير أم الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، و {مَنْ} موصولة كما سبق؛ أي؛ وأمن {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} حال كونها {بُشْرًا}؛ أي: مبشرة بالمطر {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}؛ أي: قدام المطر - وقيل: نزوله - خير أم الأصنام التي لا تنفع ولا تضر.
والمعنى (?): أي أمن تشركون بالله خير أم من يرشدكم في ظلمات البر والبحر إذا أظلمت عليكم السبل، فضللتم الطريق، بما خلق من الدلائل السماوية، كما قال: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}، ومن يرسل الرياح أمام الغيث الذي يحيي موات الأرض.
ولما اتضحت الأدلة، ولم يبق لأحد في ذلك عذر ولا علة قال: {أَإِلَهٌ} أي: هل معبود آخر كائن {مَعَ اللَّهِ} سبحانه يقدر على مثل ذلك {تَعَالَى اللَّهُ} سبحانه وترفع {يُشْرِكُونَ} به؛ أي: تعالى الخالق القادر عن مشاركة العاجز