والمعنى (?): أي أعبادة ما تشركون أيها الناس بربكم - مع أنه لا يضر ولا ينفع - خير أم عبادة الذي جعل الأرض مستقرًا للإنسان والدواب، وجعل في أوساطها أنهارًا تنتفعون بها في شربكم وسقي أنعامكم ومزارعكم، وجعل فيها ثوابت الجبال حتى لا تميد بكم، وحتى تنتفعوا بما فيها من المعادن المختلفة، وقد أنزل الماء على شواهقها، وجعل بين المياه العذبة والملحة حاجزًا يمنعهما من الاختلاط، حتى لا يفسد هذا بذاك، والحكمة تقضي ببقاء كل منهما على حاله، فالعذبة لسقي الناس. والحيوان والنبات والثمار، والملحة تكون مصادر للأمطار التي تجري منها، وكذلك هي وسيلة لإصلاح الهواء.
{أَإِلَهٌ} أي: هل معبود آخر كائن {مَعَ اللَّهِ} سبحانه في الوجود، أو في إبداع هذه الكائنات، وإيجاد هذه الموجودات، يعني ليس معه غيره، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}؛ أي: بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون شيئًا من الأشياء، ولذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليه من الشرك مع كمال ظهوره، أو لا يعلمون قدر عظمة الله تعالى، وما عليهم من ضر في إشراكهم غيره به، وما لهم من نفع في إفرادهم إياه بالألوهية، وإخلاصهم العبادة له، وبراءتهم من كل معبود سواه.
62 - ثم زادهم توبيخًا من وجه ثالث فقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ}؛ أي: بل أمن (?) يجيب دعوة المضطر المكروب المجهود الذي لا حول له ولا قوة، وقيل: المضرور بالحاجة المحوجة من مرض أو نازلة من نوازل الدهر، يعني: إذا نزلت بأحد نازلة بادر إلى الالتجاء والتضرع إلى الله تعالى، وقيل: هو المذنب إذا استغفر، واللام (?) في المضطر للجنس لا للاستغراق، فلا يلزم منه إجابة كل مضطر، فقد لا يجاب دعاء بعض المضطرين لمانع يمنع من ذلك، بسبب يحدثه العبد يحول بينه وبين إجابة دعائه، وإلا فقد ضمن الله سبحانه إجابة دعاء المضطر