وعبارة "الشوكاني" هنا: قرىء (?) بكسر {إن} على الاستئناف المقرر لما تقدمه، وقرىء بفتحها وتشديدها. قال الخليل: هي في موضع نصب لما زال الخافض؛ أي: أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به. وقال الفراء: أن متعلقة بفعل محذوف، تقديره: واعلموا أن هذه أمتكم. وقال سيبويه: هي متعلقة باتقون، والتقدير: فاتقون؛ لأن أمتكم أمة واحدة.
53 - ثم ذكر سبحانه ما وقع من الأمم، من مخالفتهم لما أمرتهم الرسل به، فقال: {فَتَقَطَّعُوا}؛ أي: فجعل أتباع الأنبياء {أَمْرَهُمْ}؛ أي: أمر دينهم مع اتحاده في الوضع الإلهي قطعًا متفرقة، وأدياناَ مختلفة فيما {بَيْنَهُمْ} حالة كون أمرهم {زُبُرًا}؛ أي: قطعًا مختلفة. جمع زبرة، بمعنى قطعة، كغرفة وغرف، فهو حال من أمرهم، أو من واو تقطعوا؛ أي: حال كونهم طائفة مختلفة متفرقة. {كُلُّ حِزْبٍ}؛ أي: كل جماعة من أولئك المتحزبين {بِمَا لَدَيْهِمْ} من الدين الذي اختاروه {فَرِحُونَ}؛ أي: مسرورون معجبون معتقدون أنه الحق دون ما سواه.
فيا أتباع (?) الأنبياء أين عقولكم إن الله تعالى أرسل إليكم رسلًا، فجعلتموهم محل الشقاق، ومنار النزاع، لم هذا؟ هل اختلاف الشرائع مع اتحاد الأصول والعقائد ينافي المودة والمحبة؟ وأين أنتم يا أتباع محمد، ما لكم كيف تفرقتم أحزابًا؟ هل اختلاف المذاهب كشافعية ومالكية وزيدية وشيعة يفرق العقيدة، وكيف يكون سبب التفرقة فهل تغير الدين، وهل تغير القرآن، وهل تغيرت القبلة؟ وهل حدث إشراك؟ كلا كلا، فإذا كان العيب قد لحق الأمم المختلفة على تنابذها، فما أجدركم أن يلحقكم الذم على تنابذكم، وأنتم أهل دين واحد.
ولا علة لهذا إلا الجهالة الجهلاء، فقد خيم الجهل فوق ربوعكم ومدت طنبه بين ظهرانيكم؛ لأنكم فرطتم في كتاب ربكم، ظننتم أن أسس الدين هي مسائل العبادات والأحكام وتركتم الأخلاق وراءكم ظهريًا، وتركتم آيات التوحيد