ومالككم، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم: اتقون في شق العصا، ومخالفة الكلمة، والضمير للرسل والأمم جميعًا، على أن الأمر في حق الرسل للتهييج والإلهاب، وفي حق الأمم للتحذير والإيجاب.

فإن قلت: لم قال في سورة الأنبياء: {فَاعْبُدُونِ} وقال هنا: {فَاتَّقُونِ}؟

قلت: لأن الخطاب في سورة الأنبياء للكفار، فأمرهم بالعبادة التي هي التوحيد، والخطاب هنا للرسل والمؤمنين بدليل قوله: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} والأنبياء والمؤمنون إنما يؤمرون بالتقوى لا بالتوحيد. وقال هناك: {وتقطعوا} بالواو، وقال: هنا {فَتَقَطَّعُوا} بالفاء؛ لأن التقطع هناك قد وقع منهم قبل هذا القول لهم، وما بعد الواو ليس مرتبًا على ما قبلها، والتقطع هنا وقع منهم بعد هذا القول، فما بعد الفاء مرتب على ما قبلها. اهـ. "زكريا".

وعبارة ابن حيان هنا (?): وجاء هنا {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} وهو أبلغ في التخويف والتحذير من قوله في الأنبياء: {فَاعْبُدُونِ} لأن هذه جاءت عقيب إهلاك طوائف كثيرين من قوم نوح والأمم الذين من بعدهم، وفي الأنبياء، وإن تقدمت أيضًا قصة نوح وما قبلها، فإنه جاء بعدها ما يدل على الإحسان واللطف التام في قصة أيوب ويونس وزكريا ومريم، فناسب الأمر بالعبادة لمن هذه صفته تعالى، وجاء هنا {فتقطعوا} بالفاء إيذانًا بأن التقطع اعتقب الأمر بالتقوى، وذلك مبالغة في عدم قبولهم، وفي نفورهم عن توحيد الله وعبادته، وجاء في الأنبياء بالواو، فاحتمل معنى الفاء، واحتمل تأخر تقطعهم عن الأمر بالعبادة. اهـ.

وقرأ الكوفيون (?): {وإن}: بكسر الهمزة والتشديد على الاستئناف، والحرميان وأبو عمرو بالفتح والتشديد؛ أي: ولأن، وابن عامر: بالفتح والتخفيف، وهي المخففة من الثقيلة. ذكره في "البحر".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015