الحكاية إجمالًا للإيجاز، وفيه من الدلالة على بطلان ما عليه الرهبان من رفض الطيبات ما لا يخفى. اهـ. من "البيضاوي" و"أبي السعود".
ويعلم من قوله: فهذا حكاية لرسول الله ... إلخ، أن في الكلام حذفًا، تقديره: ونخبرك يا محمد، أنا أمرنا الرسل المتقدمين قبلك، وقلنا لهم: يا أيها الرسل {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ}؛ أي: من الحلالات، سواء كانت مستلذة أو لا، وسواء كانت من المآكل والمشارب.
{وَاعْمَلُوا صَالِحًا}؛ أي: عملًا صالحًا من الفرائض، والنوافل، فإنه المقصود منكم والنافع عند ربكم، وهذا الأمر للوجوب، بخلاف الأول فإنه للإرشاد.
فائدة (?): وفي هذا رد وهدم لما قالهُ بعض الجهلة، من أن العبد إذا بلغ غاية المحبة، وصفا قلبه، واختار الإيمان على الكفر من غير نفاق، سقطت عنه الأعمال الصالحة من العبادات الظاهرة، وتكون عبادته التفكر، وهذا كفر وضلال، فإن أكمل الناس في المحبة والإيمان هم الرسل، خصوصًا حبيب الله محمد - صلى الله عليه وسلم - مع أن التكاليف بالأعمال الصالحة والعبادات في حقهم أتم وأكمل.
وذكر الطبري (?): أن المراد بقوله: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} عيسى ابن مريم عليه السلام، كما تقول في الكلام للرجل الواحد: كفوا عنا أذاكم وكما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} والمراد بالناس رجل واحد، وقال القرطبي (?): قال بعض العلماء: والخطاب في هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أقامه مقام الرسل، وقال الزجاج: هذه مخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا؛ أي: كلوا من الحلال. وقال ابن كثير (?): يأمر الله عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين بالأكل من الحلال، والقيام بالصالح من الأعمال، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح، فقام الأنبياء عليهم السلام بهذا أتم القيام، وجمعوا بين كل خير قولًا وعملًا ودلالةً ونصحًا.