فجزاهم الله عن العباد خيرًا. اهـ.

وحاصل معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} أن الله سبحانه (?) أمر كل نبي في زمانه، بأن يأكل من المال الحلال ما لذّ وطاب، وأن يعمل صالح الأعمال ليكون ذلك كفاء من أنعم به عليه من النعم الظاهرة والباطنة.

وهذا الأمر، وإن كان موجهًا إلى الأنبياء فإن أممهم تبع لهم، وكأنه يقول لنا: أيها المسلمون في جميع الأقطار، كلوا من الطيبات؛ أي: من الحلال الصافي القوام، الحلال ما لا يعصى الله فيه، والصافي ما لا ينسى الله فيه، والقوام ما يمسك النفس، ويحفظ العقل، واعملوا صالح الأعمال.

أخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس - رضي الله عنها - أنها بعثت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، بقدح لبن حين فطره وهو صائم فرد إليها رسولها، وقال: "من أين لك هذا؟ " فقالت: من شاة لي، ثم رده وقال: "من أين هذه الشاة؟ " فقالت: اشتريتها بمالي فأخذه، فلما كان من الغد أمته، وقالت: يا رسول الله، لم رددت اللبن؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت الرسل أن لا يأكلوا إلا طيبًا، ولا يعملوا إلا صالحًا".

وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، فأنى يستجاب له؟ ".

وفي تقديم أكل الطيبات على العمل الصالح إيماء إلى أن العمل الصالح لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015