من سائر العبادات والأذكار تصل إلى الله تعالى بواسطة الملك، أما هذه الكلمة فتصل إلى الله بلا واسطة الملك، أو قالها مرة خالصًا غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر.
37 - {خُلِقَ الْإِنْسَانُ}؛ أي: جنسه {مِنْ عَجَلٍ}؛ أي (?): جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق من العجل، قال الفرّاء: كأنه يقول: بنيته وخلقته أو العجلة، وعلى العجلة. والعجلة (?) طلب الشيء وتحرِّيه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشهوة، فلذلك صارت مذمومة حتى قيل: العجلة من الشيطان، جعل الإنسان لفرط استعجاله، وقلة صبره، كأنه مخلوق منه، كما يقال: خلق زيد أو الكرم، تنزيلًا لما طبع عليه من الأخلاق منزلة ما طبع منه أو الأركان، إيذانًا بغاية لزومه وعدم انفكاكه عنه، ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجاله بالوعيد. قال النضر بن الحارث: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وقرأ مجاهد وحميد وابن مقسم (?): {خَلَقَ} مبنيًا للفاعل. {الْإِنْسَانَ} بالنصب؛ أي: خلق الله الإنسان.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن المراد بالإنسان آدم، وأنه حين بلغت الروح صدره أراد أن يقوم؛ أي: استعجل بالقيام قبل أن يبلغ الروح أسفله، فسقط فقيل: خلق الإنسان من عجل. والمعنى؛ أي: إنه تعالى فطر هذا النوع على العجلة، وجعلها من سَجِيَّته وجِبِلَّتِه، فليس بعجيب من المشركين أن يستعجلوا عذاب الله، ونزول نقمته بهم، وقد كان من الحق عليهم أن يتريّثوا قليلًا، فإن الله تعالى سينزل بهم من سخطه مثل ما أنزل بالمكذبين قبلهم، ويحل بهم من العذاب ما لا قبل لهم بدفعه، وهذا ما أشار إليه بقوله: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي}؛ أي: نقماتي منكم بعذاب النار؛ أي: سأريكم عذابي {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} في طلبه؛ أي: فلا تستعجلوني في الإتيان به، بطريق إيذاء نبي، والاستهزاء به،