مبتدأ، خبره {كَافِرُونَ}. والثاني: تأكيد لفظي له. و {بِذِكْرِ} متعلق بالخبر، وهو من إضافة المصدر إلى مفعوله؛ أي: يعيبون أو يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - آلهتهم التي لا تضرّ ولا تنفع بالسوء، والحال أنهم كافرون بأن يذكروا الرحمن المنعم عليهم بما يجب أو يذكر به، أو الوحدانية، فهم أحقاء بالعيب والإنكار، ومعنى الآية؛ أي (?): وإذا رآك المشركون لم يكن لهم عمل إلَّا أن يجعلوك موضع السخرية والهزوء، وقد كان من حقهم أن يفكروا ملياً فيما يشاهدون من أخلاقك وآدابك، وفيما ينزل عليك أو الوحي، الذي فيه عظة وذكرى لقوم يعقلون، لعل بصائرهم تستنير، وطباعهم ترقّ، وقلوبهم ترعوي عن غيها، وهؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.
ويقولون استنكارًا وتعجبًا: أهذا الذي يسبّ آلهتكم، ويسفّه أحلامكم، وكيف يعجبون من ذلك، وهم كافرون بالله، الذي خلقهم وأنعم عليهم، وبيده نفعهم وضرهم، وإليه مرجعهم.
وخلاصة ذلك: كيف يعجبون من ذكر آلهتهم بالسوء، وهم قد كفروا بربهم الذي برأهم وصوّرهم، فأحسن صورهم، وإليه مرجعهم، فيحاسبهم على النقير والقطمير.
وفي الآية (?): إشارة إلى أن كل من كان محجوبًا عن الله بالكفر لا ينظر إلى خواص الحق إلّا بعين الإنكار والاستهزاء؛ لأن خواص الحق من الأنبياء والعلماء يقبحون في أعينهم ما اتخذوا لهم آلهةً أو شهوات الدنيا، من جاهها ومالها وغير ذلك مما اتخذوه آلهة، كما قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} وكل محب يغار على محبوبه، ولذا يذكرونهم بعيب ونقصان، والحال أن العيب والنقصان فيهم، لا في أضدادهم، فعلى العاقل أن يصون لسانه عن ذكر العيوب، ويشتغل في جميع الأوقات بذكر علام الغيوب، وأفضل الذكر: "لا إله إلَّا الله"؛ لأنه إعراض عما سوى الله تعالى. وإقبال بالكلية على الله سبحانه. قيل: